عطية صالح الأوجلي
شاء القدر لهما ان تلتقي حياتهما وتمتزجا بحيث لا يذكر تاريخ احدهما دون الأخر … كما شاء لهما ان لا يلتقيا على الاطلاق. لايوجد في سيرة احد منهما ما يشبه الأخر … ولد الأول في قصر من القصور واحتفل شعب بأسره بمولده … ولم تغادر الملعقة الذهبية فاه … كان وسيما بهي الطلعة في شبابه فاحبه الناس وتعلقوا به واستبشروا خيرا
أما الثاني فقد ولد في بيت متواضع لأب من اصول صعيدية ويعمل موظفا في البريد … ميزه على اقرانه طوله الفارع ، ابتسامته التي تجمع بين السحر والشراسة … وهدوئه ونزوعه الى التفكير … ومسحة من الحزن في عينيه يقال ان سببها الفقدان المبكر للأم
كان لفقدان الأب لأولهما بالغ الأثر في حياته …ففاروق الذي كان يتلقى دروسه في لندن رفقة شخص مغامر قاده الى اكتشاف الحياة خارج اسوار المدرسة وايقظ فيه حبا للمغامرات النسائية لم يتوقف طيلة حياته … هذا الشاب اليافع الذي تلقى معاملة مزدوجة ومربكة في اوساط النخبة الانجليزية وقواعدها الصارمة ونفاقها الشهير …يصل اليه الخبر بأن والده فؤاد ملك مصر قد انتقل الى الرفيق الاعلى وانه هو الشاب اليافع الذي لم يكتمل نموه ولا تعليمه بعد …قد اصبح ملكا لدولة من اشهر دول العالم القديم … صار ملكً لمصر والسودان
كان جمال طيلة سنوات دراسته يجد صعوبة في ان يوافق بين رغبته في دراسة كلية الحقوق وان يصبح محاميا لامعا يساند اسرته وينال اعتزازهم وفخرهم … وبين ميله الغريزي للقيادة والى المغامرة وتلبية النداء الوطني … وبعد عدة محاولات نجح في ان يدخل الكلية الحربية … التي في داخل اسوارها رسم خططه المستقبلية التي تقاطعت مع مستقبل بلاده … ومستقبل الملك فاروق
سيرة كل من البكباشي جمال عبدالناصر … والملك فاروق ينسجها ببراعة الكاتب الفرنسي جيلبرت سينويه الذي ولد بمصر ودرس في المدارس الكاثوليكية بها ثم غادرها وهو في التاسعة عشر من عمره الى لبنان ثم فرنسا حيث اقام وكتب عددا من الروايات عن تاريخ مصر … ربما ليعوض حنينه الدائم المتدفق لطفولته بمصر …حياة سينوية وعائلته قد تأثرت كثيرا بحياة كل من فاروق وعبدالناصر وبالتغيرات التي طرأت في مصر كنتجية للصراع فيما بينهما
مزج الكاتب سيرته ومذكراته بتاريخ كل من الرجلين وبتاريخ مصر المعاصر في حبكة جميلة وبأسلوب سلس يعود بالقارئ الى زمن صنع يوم 23 يوليو فيه علامة فارقة بين عهدين ونظامي حكم وشخصيتين … كما يستعرض الكاتب تقلبات الزمن وانعكاس ذلك على حياة الأسر والافراد . رواية ممتعة رغم وجود بعض الاخطاء التاريخية بها … من يريد ان يتعرف على صفحات من تاريخ مصر المعاصر فعليه بقرأتها
___________________________________
*** ولد سمير جيلبير كساب في القاهرة بمصر لعائلة مسيحية ترجع أصولها للبنان. وقضى كثيرا من وقته على متن قارب اشتراه والده من الملك فاروق وقد قابل فيه شخصيات مهمة في ذلك الوقت. ثم هاجر مع عائلته إلى بيروت وتحصل على شهادة البكالوريا هناك. ثم هاجر إلى باريس في 1968
بدأ يكتب الروايات منذ بلوغه سن الأربعين وغيّر الاسم الذي يكتب به إلى “جيلبير سينويه” الذي استلهمه من رواية “سنوحي المصري” أو البكار الغريق. وكتب عدة روايات تدور أحداث البعض منها في مصر. و من أعماله المترجمة بالعربية:-
المصرية، 2005
ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان، 2006
ابنة النيل، 2007
اللوح الأزرق، 2008
أخناتون.. الإله اللعين، 2011