فجأةً سمع سلطان جلبة وأصواتًا غريبة في الخارج استيقظ على أثرها لينظر من شباك غرفته المطلّة مباشرةً على البحر. كان اليوم جمعة حوالي السابعة صباحًا. تعوّد في هذا اليوم أن ينام حتى الساعة الحادية عشرة
فتح الستارة ببطىء وبدأ يفرك عينيه غير مصدّقًا…..البحر تحوّل إلى قطعة بيضاء ..مئات بل آلاف ربما مئات الألوف من القوارب كلها بلون أبيض. في كل قارب يقف رجل أو إمرأة أو طفل، كل واحد منهم يحمل لافتة وجميعهم يرتدون أردية بيضاء تشبه الإحرام. شعر بدهشة افقدته توازنه. هل أُعلن نهاية العالم
ارتدى ملابسه سريعًا وبدأ يهبط عدوًا على السلالم من شقته الكائنة في الطابق الرابع
من ذاكرة القلب رغبات صباحيّة
رأى سلطان جمعًا غفيرًا من الناس وهم في رعب كبير ينظرون إلى البحر والقوارب البيضاء التي غطت لون الموج. رأى عددًا كبيرًا من الناس وهم يعدون بعيدًا وصرخات النساء والأطفال تتعالى في كل مكان. اقترب شيئًا فشيئًا من البحر ليقرأ ما كتب على اللوحات التي يحملونها. كل لوحة كانت تحمل إسمًا وتحته كُتب تاريخ الوفاة بالتاريخ الهجري، الأسم مكتوب باللون الأحمر يضيء بشكل متقطع. دقق في التواريخ ووجدها لا تتجاوز المائة عام، بدأ الذعر يسري في قلبه، كان الواقفون مشدوهين. حاول أن يدخل البحر لكنه لم يستطع لأن الموج تحوّل إلى مادة صلبة تعيق الدخول. أغمض عينيه وهو يقرأ المعوّذات دون توقف ويمسح بيديه على وجهه وجسمه بعد كل قراءة. كان الناس في حالة رهبة وصمت…. فجأةً شاهد عدة قوارب تندفع في اتجاهه وفي ثوانٍ كانت واقفة أمامه. قارب يحمل والده ووالدته وقارب يحمل شقيقه وزوجته ..قوارب كثيرة تحمل أقاربه وأصدقائه الراحلين. كلهم كانوا صامتين ..يبتسمون فقط. احد القوارب كان يحمل صديقه عبداللطيف الذي رحل منذ حوالي عشرين سنة ..كان يحدّق فيه مبتسمًا ثم أغمض عينيه، فجأة شعر بمحادثة ذهنية وهو يقول له “أعطني كل كتبك بسرعة. نحن في زيارة لكم لساعات فقط ولآخر مرة” …. ركض بين الجموع إلى سيارته وأخذ معه كل مؤلفاته وعاد بسرعة البرق …اقترب قارب عبداللطيف منه حاول أن يمد يده ليسلّمه الكتب فإذا بيدٍ خفية تدفع يده بقوة فتناثرت الكتب في البحر ..ثم تجمعت لتشكّل صفًا عموديًا واحدًا …رأى سلطان صديقه عبداللطيف وهو يضحك فرحًا والكتب انتقلت إلى بين يديه.. كانت أمه وأبيه ينظران إليه بشوق وشعر داخله برعشةٍ دافئة ..في لحظات هبّت عاصفة رملية..واختفت القوارب كلها …لم يتبق غير الموج صامتًا صمت من يخبئون سر الموتى. نهض من مكانه عدّل اللوحة التي سكنت الحائط لسنوات طويلة حتى وهن خيطها الذي يشدها إلى الحائط، فظهر البحر المحنّط كاملًا