في حوار المذيعة نجوى إبراهيم مع السيدة أم كلثوم، سألتها عن الآلة الموسيقية المفضلة لديها، فأجابت: «كل الآلات لما تكون مع بعض حلوة، لكن اللي بتأثر فيّ هي الآلة الباكية، الناي، أول آلة موسيقية، حتة صغيّرة من الغابة بتطلع أصوات طبيعية»، ولما سألتها المذيعة: «يعني حضرتك ميّالة للموسيقى الحزينة؟»، ردّت: «لا مش ميّالة ليها باعتبار أنها حزينة، وإنما باعتبارها معبرة».
ومن علامات محبّة أم كلثوم للناي، المقطع المنتشر على نطاق واسع من حفل غنائي لها يعود إلى عام 1966، ففي ذروة «سلطنتها» وهي تغني أغنية «بعيد عنك»، كان عازف الناي في فرقتها الموسيقية سيد سالم يؤدي تقاسيمه على نايه، حين «تسلطن» هو الآخر، وخرج على النص، منتزعاً آهات وصيحات الإعجاب من الجمهور السابح في بحر أم كلثوم، فالتفتت «الست» إليه، وهي بين الدهشة والإعجاب، قائلة بصوتٍ سمعه الجمهور: «إيه ده؟»، لتشتعل القاعة ثانيةً بالتصفيق والبهجة، فيعيد سالم أداءه الشجي، المتمرد، نفسه.
حسب تقرير لمحمد جراح، على موقع «العربية»، نقرأ أن سيد سالم «نشأ وحيد والديه، فكان الناي شقيقاً لروحه منذ طفولته»، وصادف أن أم كلثوم سمعت عزفه المنفرد عبر برنامج إذاعي، وعلى جري عادتها في اقتناص كل ما هو، وكل من هو متميز، عزفاً ولحناً، ناهيك عن الكلمات، طلبته، ليكون عازف الناي في فرقتها، واستمرّ معها حتى وفاتها.
أهل الموسيقى أدرى بشعابها، لكن لا بأس أن أشارك من هم مثلي، ليسوا من أهلها، ما قرأته عن الناي، الآلة ذات الصوت الشجي، التي هي عبارة عن قصبة جوفاء، مفتوحة الطرفين، تُصنع من نبات القصب البري، وتوصف بأنها آلة موسيقية هوائية تستخدم في التخت الشرقي، لذا فإنها أساسية في الموسيقى العربية، وقبل ذلك استخدمها البابليون وقدماء المصريين.
كيف لنا أن نتحدث عن الناي ولا تحضرنا أغنية فيروز: «أعطني الناي وغنِ»، من كلمات شاعر المهجر جبران خليل جبران، وما غنّته فيروز هو فقط بعض أبيات من قصيدته الطويلة «المواكب» التي كتبها في عام 1918، وحال هذه الأغنية الفيروزية تشبه كثيراً أغنيات فيروز التي يعتقد الكثيرون أن الأخوين رحباني هما من لحنها، ولكن الحقيقة أنها من ألحان نجيب حنكش (1899 – 1979)، وهو شاعر ومقدّم برامج تلفزيونية وملحن لبناني، هاجر مثل جبران، ولكن إلى البرازيل، عام 1922، وعاش معظم حياته مهاجراً، قبل أن يعود إلى وطنه.
جسّد صوت فيروز ما حملته كلمات جبران من شحنة فلسفية حول مغزى الحياة، فالناس وإن كانوا سطوراً، لكنها سطور كُتبت بماء، سرعان ما يتسرب فتُمحى، فيما الناي الشجي، كرمزٍ للموسيقى، باقٍ بأنينه بعد أن تُفنى الحياة.

المصدر: صحيفة الخليج