تأليف: د. عبير خالد يحيي

الشخصيات
النملة: الصوت الوحيد على الخشبة، تمثل وعيًا وجوديًا صغيرًا يخترق العالم الرقمي.
الفضاء:
ليس مكانًا بل كيانٌ متحوّل من الضوء، الشاشة، الذبذبة.
(يمكن استخدام مؤثرات بصرية وصوتية لخلق الإحساس بأن الهاتف المحمول“يتنفس أو “يستجيب“.)
الزمن:
زمن غير محدد — بين لحظة سقوط النملة داخل الهاتف ولحظة عودتها إلى العالم الحقيقي.
(الزمن المسرحي يتقاطع مع زمن الشحن والبطارية والإشعاع، كأنه دوران بين الحلم واليقظة الرقمية.)
المشهد الأول: الإضاءة الأولى:
ظلام كامل. يُسمع طنين كهربائي خافت يزداد تدريجيًا حتى يصبح نغمة.
ثم تظهر بقعة ضوء بيضاء صغيرة في وسط المسرح — هي مدخل الهاتف المحمول.
يتحول الطنين إلى نبض إلكتروني يشبه دقات القلب.
(صوت النملة يظهر من العتمة، خافتًا، كأنها تهمس داخل جهاز)
النملة:
“لم أكن أبحث عن السكر…
كنت أهرب من ثِقل الأرض،
من أحذيةٍ تجرّ الغبارَ معها كما تجرّ المعنى.
سقطتُ في صدعٍ صغير…
ظننته صدعًا، فإذا هو بابُ ضوءٍ بلا رائحة.
(تتسع دائرة الضوء قليلًا. تظهر النملة كظلّ صغير يتحرك داخلها.)
العالم هنا… لامع،
لكن لا طعم له.
أرضٌ بلا رطوبة،
سماءٌ بلا طنين ذبابٍ أو رائحة مطر.“
المشهد الثاني: وجوه الزجاج
(تظهر على الجدار الخلفي صور بشرية شفافة تتحرك بلا صوت، كأنها بقايا وجوه رقمية.)
النملة:
“رأيتُ وجوهًا كثيرةً لوجهٍ واحد،
تبتسم، تلوّح، تُكرّر نفسها.
قلت: كم نسخةً يحتاج البشر
ليصدقوا أنهم موجودون؟
تتكلم الشفاهُ…
لكن الصوت يأتي من مكانٍ آخر.
هل يسكنون في صورهم؟
أم صورهم هي التي تسكنهم؟“
(تتوقف، تُصغي، ثم تهمس)
“كلّ شيءٍ يتحرك هنا… إلا الهواء.“
المشهد الثالث: اللغة الباردة
(تضيء الأرضية بأحرف مضيئة – مفاتيح هاتف ضخمة. تمشي النملة فوقها.)
النملة:
“مشيتُ على الحروف،
كانت الكلماتُ تلمع كحبّات سكرٍ رقمية.
قرأتُ: أشتاق.
لكن لم أشمّ شيئًا من الشوق.
ربما لأن الشوق هنا يُكتب…
ولا يُحَسّ.
وجدتُ غابةً من الصور
فاكهةٌ تبتسم،
أطفالٌ يضحكون دون أن يلمسوا التراب.
مددتُ قرنيَّ نحو تفاحةٍ حمراء…
فاخترقني الضوء.“
(صمت. ترفع رأسها نحو السماء الزجاجية.)
“كيف تُثمرُ شجرةٌ بلا جذور؟
وكيف يضحك البشرُ بلا حرارة؟“
المشهد الرابع: النجمة الزرقاء
(وميض أزرق حاد، يقطع السكون. موسيقى إلكترونية قصيرة.)
النملة (بدهشة):
“ضغطتُ زرًّا صغيرًا…
فاشتعلت نجمةٌ زرقاء.
أحسستُ بدفءٍ لحظة،
ثم انطفأت.
أهذا هو الحبّ هنا؟
أن تلمس سرابًا وتسمّيه قربًا؟
أن تبتسم للغائب،
وتنسى من يجلس بجانبك؟“
(تخفض صوتها – شبه بكاء داخلي)
“أوه… كم هو وحيدٌ هذا الضوء.“
المشهد الخامس: حراسة الباب
(إضاءة باهتة تميل إلى البنفسجي، تومض كنبض بطارية توشك على النفاد.)
النملة:
“في الليل جلستُ على زرّ الإغلاق،
أحرسُ بابًا لا يُفتح ولا يُغلق.
رأيتُ الوجوهَ تنام في الشاشات،
تتنفس الضوء… وتختنق به.
قلتُ لنفسي:
ربما صاروا هم النملَ الجديد،
يحفرون أنفاقهم في الأسلاك،
ويحملون فتات الصور بدل الحبوب،
ويبنون مستعمراتٍ بلا ملكة…
اسمها: الشبكة.“
المشهد السادس: العودة
(يتحوّل الضوء إلى لون ترابي دافئ، وصوت المطر يهمس من بعيد.)
النملة:
“خرجتُ من الهاتف،
عدتُ إلى التراب،
إلى الرائحة الأولى،
إلى العرق والغبار والمطر.
أخبرتُ إخوتي بما رأيت،
فلم يصدقني أحد.
قالوا:
ما لا يُشمّ هو غير موجود.”
(تتقدم إلى حافة المسرح، تنظر نحو الجمهور مباشرة.)
“لكني أعرف…
أن فوق التراب عالمًا
يمشي على الضوء،
ويختفي حين تفتح عينيك.“
(تبتسم ابتسامة خافتة. تُطفأ الأضواء فجأة مع صوت “نقرة إغلاق هاتف”.)
النهاية
إضاءة ختامية:
نقطة ضوء بيضاء تبقى على الأرض كأثر نملة.
صوت خافت يقول:
“العالم الحقيقي لا يترك إشعارات.”
ملاحظات إخراجية:
– الزمن الأدائي: من 12 إلى 15 دقيقة.
– الإضاءة: تتحرك من الأبيض البارد إلى الأزرق إلى البنفسجي، ثم إلى البني الترابي الدافئ.
– المؤثرات: استخدام أصوات الأجهزة (طنين إشعار، اهتزاز، نقرة شاشة، تنفّس إلكتروني) كإيقاع موازٍ لصوت المونولوج.
– الأداء الصوتي: يبدأ همسًا، يتصاعد نحو الدهشة، ثم يهبط إلى الفلسفة الهادئة.
– الملابس: الأسود الكامل مع قبعة أو غطاء رأس معدني عاكس، يرمز إلى جسد الكائن الرقمي.
– الخلفية البصرية: صور بشرية تتلاشى في الضوء تدريجيًا حتى الانطفاء.