الشاعرة مي أسد سمعان
نزلَ ثلجٌ كثير هذا العام يا امّي
هل تشعرين..؟
انا اراكِ في الكَرمِ تجمعينَ الحَطَبَ الّذي ظلّت رؤوسُه باديةً لانّ الموقد بدأ َيبرُدُ، ونحنُ ايضا
امّي اراكِ هناك ،ترفعينَ الثّلجَ الى الوعاء ،وتضعِينَه فوقَ الموقِد ليذوبَ ونغسلَ به الصّحون
امّي اراكِ وقد غدَوتِ تبعِدين الثّلجَ عن البابِ لانّك ستخرجين لتُحضِري لنا ما نحْتاج
امّي ما تزالُ خطواتُك محفورةً في ذاكَ الرّداءِ الابيض
وتدلّنا عليك
امّي ما تزالُ العصافيرُ تدورُ حولَ المنزل الرّيفيّ تفَتّشٌ عنكِ وعن القمحِ الذي كنتِ تلقينَه فوقَ الثلج رافَةً بالمناقيدِ الصّغيرة
امّي سأسِرُّ اليكِ انّنا كنّا نَبرُدُ ،ونحنُ اطفال، بسبب ثيابِنا الرّثّة ، وشقوقِ الابواب، التي كانتْ تدَعُ الهواءَ الجليديّ يَتَسلّل الينا، وَيَسرِقُ من سَذاجَتِنا، وما تُشيْعُه الموقِدةُ من حَنان ،وصوتُ الحطب عندما يبكي ، او يتشظّى وسْطَ الّلهب
امّي ساعْتَرف لكِ الان، وبعدَ أن بِتْنا على مشارفِ الهبوطِ القسري من طائرةِ الحياة، انّنا الان نعاني من صَقيعٍ مَداري وقُطبي مُهلِك … غيابُك هو احتحابُ الشّمس….وانهمارُ الغبار الكوني
لدينا جواربُ وليستْ مرقّعة، ومعاطِفُ ،واثوابٌ صوفيّة ،وتدفئةٌ منزليّة..ولا نستحلي شيئا الا وجلبْناه ..ومع ذلك ؛
يلفّنا صًقيعٌ يفُتُّ منّا العِظام
امّي، منذ انْ غبتِ وأبي، تغيّرَ شكلُ الكوكَب الأرضيّ ،وانطفا القمَرُ ونامَت الكروم ُ نومَتها الابديّة
والوردٌ صارَ بلا أريج، والحَبقُ بلا عَبق
ونحْن تشرّدنا على أرْصِفَة التّيه والقلق
كم كنتِ نقيّة، وبهيّة ،كم كنتِ حنونةً ! يجلّلك الصّمتُ، تقرأين في الوجوه، وتسْرعين للنّجدة
..وتلكَ المنتورةُ البيضاءُ، المقيمةُ امامَ البيتِ، لجهِة الغَرب ،لكمْ كنتِ تجلُبين لها الماءَ من بئرِ بعيدةٍ كي لا تعطَش …وجُرنٌ الصّفوة، كم كنتِ تبدّلين فيه الرّمادَ كلّما دعتِ الحاجة
ونحنُ كم كُنّا ننحَني فوقَ ” ذياك الاوقيانوس” اوذاك الجرن الحجري المستطيلِ لنمْسِكَ بقرصِ الشّمس المتهاوي في قَعرِه وكم كنتِ تحذّرينَنَا من تعكيرِ الماء..وكم كنٍا نعانِد
امّي لكمْ كان الحنانُ يعوّضُنا، ووجْهُك ينيرُنا
متى شح النور
امّي كمْ تخيفُني الحياةُ بعدَ ان غاض زيتُ العمر وتناءَت المسَافات وذبُلَت الصّداقَةُ وصَدئَت مفاتيحُ القلوب وتحنّطتِ العلاقاتُ، وجفّ ماءُ الوجوه
امي ،ونحنُ على عتبة ” عيدِالام “، اسألك ان تظلّي، وانتِ حيثُ انتِ، ترفُدينَني، وتهدْهِدين سريري، وتمسٍكين بيدي، فانا مازلتُ هناك ،هناك، ولستُ هاهنا، وما تزالُ ثيابُنا معلقةً على حَبل الغسيل،في ذاك المدى السّماوي الفسيح، وما تزالُ الشّمسُ تسْطع ،والهواءُ العليل ينسّم ،وما زالَ بيتُنا التراثّي ينامُ في حضنِ الوادي، وما زالتْ جدّتي، وسُبحَتها، تحيا في مهجتي وأبي ذاكَ المستنير، وصورةُ عمّتي وعمي،وجدتاي وجداي وعرّابي وعرّابتي… وكلُّ الحنان الذي كان يزنّرُنا من شتّى الجِهات
لعَلّ الحنانَ يشيخُ كما يشيخُ الزّمان على مُحيّا الوجود والمخلوقات، وربّما حيثُ انتِ امّي…ربّما هو مكانٌ يًرأفُ بنزلائِه ويُجيدُ تحريرَ الارواح من عبْءِ التراب، وظلامية القلوب و الحروب، والله اعلمْ
..الى اللقاء..
مي اسد سمعان/ في ٢٠٢٢/٣/١٧
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي