بقلم: رنا علم
قراءة شخصيّة
نبتتْ أسرار يوسف طراد في “عطر ودماء” جراحاً، فرواها بدموع الحب على رياحين قلوبنا، إذ بدا يوسف الفلّاح الذي حوّل الصخر إلى تراب خصب ،تنبت فيه براعم الرواية، وتزهر فيه الأفكار السياسية المضمّخة بعطر الحب في زمن الحرب.
من مزهرية الجمال ونور العاطفة، وُلدت روايته، التي تستحق أن تُقرأ بتمعّن.
كتبها بأنامل لامست الحبر والكتب والأدب حتى صارت حياةً منسوجةً من الكلمات.
سرّ يوسف طراد قلبه لا قلمه فحسب. معارك يوسف أكثر من حروبٍ في الميدان؛ كانت حربًا بين عينيه وعطر امرأةٍ أحبّها وأحبّته “صوفيا” التي جعلت من حياتها عطرًا، ومن عشقها ميدانًا ومساحة سلام، بين الفقد في الحرب والأمل بالسلام المنشود.
مذكرات يوسف جاءت بأسلوب روائي عابق بالذكريات، تمزج بين العطر والدماء، بين الحرب والفساد، وبين أملٍ ضائع وسلامٍ متجدّد، في وطنٍ كلبنان، ينهض الأمل من رماد الألم، وتضمد صوفيا جراح الحبّ الملموسة بالحنين بجسد حمل الحلم وعيون راقبت التهام الأرواح المُنكسرة أمام مآسي الحياة.
حمل الراوي سيرته الذاتية على الورق، كتبها بقطرات الحبّ والدموع، لتعلن انتصار الأمل بعد كل انكسار.
تحت شمس الأحلام المؤجلة، نسجَ يوسف طراد خيوط رواياته القديمة، من قماش الحبّ والتضحية والوفاء، في خضمّ معارك روت الأرض بدماء الشهداء.
صارت ذاكرته تاريخًا من الحنين، يفوح بعطرٍ ودماءٍ غيّرت ملامح الأيام.
كانت صوفيا هناك، حضورًا يلمس عناق الأرواح، وصوتًا للفقد المدفون في مساحة تلمس أنفاس القارىء أمام ضريح الفقد.
صبغ يوسف قلمه بالدم” عنبر الجيش “، فصار نورا ، ودرّةً من لؤلؤ الحبّ المقدّس في هيكل معابد الأرواح.
في صمت الروح، بوحٌ من حبرٍ على ورق، حبرٌ لا تضاهيه الجواهر لأنه ممزوجٌ بحب الوطن الأسمى ومختومٌ بتضحيات الشهداء.
كانت روايته قماشًا معطّرًا بآخر قطرة دمٍ وآخر نبضة قلبٍ خفق حبّاً.
وحدة أسرار الحبّ والعطاء جعلا من يوسف مرآةً للوفاء العسكري، الذي لم يُطفئ نار الحب إلا بالحب ذاته، حب صوفيا، تلك السمراء الني ذابت في زرقة عينيه والتي جاءت قارورة عطرٍ في أدبه، فانتشر شذاها بين كلماته، وامتزج حزننا بحزنها، وفرحنا بفرحها، وغضبنا بغضبها.
كانت صوفيا أنثى الحبّ والحرب، بابًا مفتوحًا على الحياة في عزّ الموت، وسمراء سَجَنَت يوسف بجمالها، كما سَجَنَها في قلبه.
لم يكن للقائهما نصيبٌ في الواقع، لكنها ألهمته الحلم، وأهدته فسحة أملٍ وصمودًا في أعتى المعارك.
رغم قسوة الحرب على أرض الوطن، كانت كلماته رحبًا واسعًا، واحة يسبح في بحر عشقها، يستضيء بضوئها في عتمة الأيام، متنفسًا لروحٍ أرهقها النزف، فأحياها العشق الأبديّ ولو غاب الجسد، لتكون نوراً في عتمة الوطن ومتنفّساً لجسدٍ أرهقه اليُتم…
سيرة ذاتيّة تضجّ إنسانيّة وتذوب وفاءً للبذة العسكرية في حرب لم يُطفىء نارها إلّا الحب.

رنا علم
١١/١١/٢٠٢٥