قبل حوالي ثلاث سنوات التقيت في منتدى دبي الإعلامي الزميل فؤاد عبد الواحد نصر الله. وفي زحمة المؤتمر والجلسات واللقاءات أراد مقابلة صحافية. اعتذرت ثم تهربت ثم هربت. وظل يطاردني. وطرت إلى بيروت فوجدت لدى وصولي إلى البيت رسالة منه ومعها الأسئلة ومعها طلب: الرجاء الرد خطيا. ثم اتصل سائلا: أين صارت الأجوبة.
وأجبت. وقبل أيام في زحمة المنتدى الثامن وجلساته أطل فؤاد ومعه كاميرته ومعه هذه المرة كتاب بعنوان “تجليات العولمة الثقافية والسياسية في شعر محمود درويش”. قدم لي نسخة من مؤلفه مع كلمات مدغدغة.
ولم تمض ساعتان على تسلم الهدية حتى جاء يسألني: “كيف كان رأيك في الكتاب؟” وخوفا من مطاردة أخرى جلست في المساء أقرأ في كتاب فؤاد نصر الله عن محمود درويش. أو بالأحرى أتصفحه بسرعة، لكي أقول شيئا ما عندما ألقاه في الصباح، ومعه كاميرته، جادا خلف عمله، مصرا، لا يضيع لحظة واحدة.
لكن تصفح الكتاب لم يدم طويلا. فما لبثت أن بدأت أقرأ. ثم بدأت أعجب. ثم بدأت أحب ما أقرأ. فقد كنت أعتقد أن شعر محمود درويش لا يبحث فيه ولا يدرس ولا توضع عنه الأطروحات. إنه شعر يحب ويعلق مثل باقات الورد. لكن فؤاد نصر الله تحدى القاعدة بشاعرية خفاقة ودفق ساحر. لم يكتف مثلنا بمحبة محمود درويش بل دخل إلى عالمه ومعه مصباح وعدسة مكبرة وريشة ومحبرة وخرج من هذا العالم الرحب الأزرق العميق الجميل بمؤلف من 340 صفحة.
مؤلف ممتع ودراسة أخاذة، لم يستطع البحث الأكاديمي أن يجردها من عذوبتها وريها: “تخلق الأسطورة على مهل، ينكشف الفرسان الخائبون وهم يجترون حكاياتهم القديمة، ويتململون من عشق النساء المفضي إلى هلاك مبين، ولم لا، الشاعر يمد يده ليطلق الجوهر، اللب الخفي، العصارة الموارة، في مكابدة تمليها عليه يقظته ووعيه الذي انفتح كجرح”.
ثم هذا:
“وتعود صورة الحصان الوحيد الذي ترك في الأرض ليحفظ عهدها، تراوغ الصبي من بعيد، كجزء من طلل، فالبيوت التي لا تفتح شبابيكها تموت. وها هو درويش يطرح نسقا تصويريا مجللا بالموت كمصير ومحطة وصول: القبر عند قوائم الفرس، وسم الفجيعة بحمحمة الخيل، وهي فكرة درويشية حتى النخاع”.
عرفني فؤاد نصر الله أكثر بمحمود درويش. برقة وعذوبة وجهد جيد واضح ومقدر. والذين يحبون محمود سوف يسعدهم أن يقرأوه من جديد من خلال هذا السرد النقدي البارع. محمود في فلسطين. محمود في الأندلس. محمود في قريته التي محيت من الوجود. محمود مع بندقيته. محمود مع قلبه. محمود مع موسيقاه. ومحمود وحيدا، مع صورة أمه. شكرا يا فؤاد.
16/05/2009