فيروز مخول
رائد الهايكو العربي
عز الدين المناصرة
يعتبر أدب “الهايكو” نوعاً من أنواع الشعر الياباني. وهو عبارة عن بيت شعر واحد، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتياً باليابانية، ويكتب عادة في ثلاثة أسطر وأحياناً يتجاوز ذلك إلى خمسة أسطر , يحاول الشاعر “الهايكست” من خلال مفردات قليلة؛ التعبير عن مشاعر جياشة وأحاسيس عميقة تحقق عنصر المفاجأة للمتلقي
ازدهر هذا الأدب في القرن 17 بفضل الشاعر المعلّم “ماتسو باتشو” وتلاه “يوسا بوسون” ثم “كوباياشي إيسا” وكثر غيرهما (نتوقف لاحقاً مع نماذج الهايكو لديهم). بينما في القرنين التاسع عشر والعشرين بدأ “الهايكو” يتجاوز حدود اليابان ليصل إلى أميركا ودول الغرب. فترجموه ومن ثم تمّت محاكاته وكتابته وتطويره للاستغناء عن عدد المقاطع الصوتية اليابانية التي قد لا تتجانس مع باقي اللغات والصوتيات في العالم. ثم بعد العديد من الترجمات لهذا الأدب الياباني، سواء إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو اللاتينية. وصل “الهايكو” في منتصف القرن العشرين إلى البلاد العربية عن طريق ترجمة نصوص منه إلى اللغة العربية
ولادة الهايكو العربي
يبدو أن “الهايكو” ظل أدباً مقروءاً لدى العرب حتى منتصف ستينات القرن الماضي، التي شهدت بداية كتابته لدى بعض الشعراء، إذ يُذكر أن من أول اختبر كتابة “الهايكو العربي” وكان المؤسس الفعلي لقصيدة الهايكو العربية، هو الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة منذعام 1964
عزالدين المناصرة) ، رائد قصيدة (التوقيعة الشعرية )،ومنها (الهايكو العربي) منذ عام 1964، وما زال يكتبها حتى اليوم (2019) . هو من مواليد فلسطين(محافظة الخليل،في 11/4/1946).أصدر (12 ديواناً شعريا)، أشهرها : (ياعنب الخليل ،1968)، و (بالأخضر كفناه ،1976)-و(جفرا أمّي,1981)، و(كنعانياذا ،1983)- و (لا اثق بطائر الوقواق ،2000)- و(توقيعات ،ط3، 2019) – و(البنات، البنات،البنات،2009)،وغيرها .وهو أحد شعراء الثورة الفلسطيني المسلحة (1964- 1994) ، يعيش حاليا ،(مؤقتا) في العاصمة الأردنية ، عمّان، حيث لم يستطع الدخول إلى مسقط رأسه (فلسطين)، حتى اليوم (2020). وهو أحد معارضي (اتفاق أوسلو، واتفاق تقسيم الخليل ) ، منذ 1993 وحتى الآن .ويحمل (المناصرة )، رائد الهايكو العربي ،شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن (جامعة صوفيا ، 1981)، وحصل على رتبة الأستاذية (dr) عام 2005. أُحيل إلى التقاعد منذ (1/9/2017)، بعد أن عمل أستاذاً في خمس جامعات عربية لمدة (35سنة)
-صدر كتاب (توقيعات عزالدين المناصرة )، في طبعته الأولى التجريبية،عام 1969، وصدرت الطبعة الثانية ،2013، وصدرت الطبعة الثالثة في عمّان عام 2020 –
وكما يُقدّر لكل جديد؛ سواء كان أدباً أو فناً أو مطلق فكرة أو مشروع؛ أن يعاني الرفض والتشكيك وقسوة الانتقاد! عانى (المناصرة) -مثلما عانى شعراء العرب في التفعيلة والنثر والأقصوصة-
يرد الشاعر المناصرة،رائد فن الهايكوالعربي على القائلين بأن (الهايكو)، محصور في موضوع الطبيعة
( الطبيعة جزء من مفهوم الوطن ، والوطن جزء من الكون ، بتنوعه، فإذا كان الوطن ، إديولوجيا،فإن العلاقة مع الطبيعة هي إديولوجيا أخرى …فإذا أردنا توسيع الهايكو نحو فن التوقيعة الشعري ، فإن هذا التوسيع يعني أن نتفاعل مع ديالكتيك الطبيعة -الوطن…والإنسان يتفاعل مع داخله وخارجه سواء عندما يمارس الكتابة، أو أي تفاعل آخر)
ويقول (المناصرة ) في هايكو
(سلاماً آهِ يا أبتاه ،إنْ تعبوا ،فلن أتعب
وإن ركضوا إلى اعدائهم طمعاً
فلن أذهبْ)
فالشاعر (المناصرة) الذي نقل هذا الأدب وعمل على تجديده بما يتلائم والنسخة العربية. فتحوّل النقاد إلى تأييده والثناء على منجزه في هذا الصنف الأدبي. يقول (المناصرة)
“أنا أمير
أنت أمير
فمن ترى يقود هذا
الفيلق الكبير”
***
الأفعى لا تُخلي جحراً،إلّا بالفأسْ
الأفعى لا ترحل بالموسيقا
الأفعى لا ترحل، إلّا إنّ قُطع الرأسْ
وحين انتصفت الثمانينيات بدأ معها انتشار “الهايكو” , وخلال عقد من الزمن استقر وازدهر تماماً في المنطقة العربية، فعرفت دول المشرق والمغرب العربي شعراءَ اتجهوا إلى هذا الصنف الأدبي، وبالطبع عانوا جميعاً ما عاناه قبلهم المبدع عزالدين المناصرة وسواه. لكن الإصرار دفع هؤلاء الشعراء والشاعرات إلى ضمّ “الهايكو” إلى قائمة الأدب وأنواعه من رواية ومسرح وقصة وشعر ونثر. وبعضهم أنجز “هايكو” الومضة المدهشة بلغة الحاسة السادسة، بينما اعتبر رائد الهايكو (المناصرة ) أن الهايكو،هو فرع من فروع (التوقيعة الشعرية)
لا بد في الختام من القول بأن أي مادة تتطرق إلى فن أو أدب أو علم أو فكر أو نظرية أو مفهوم، لا يمكن أن تحيط بكل الجوانب المتصلة به، إذ تدعو الحاجة حينها إلى مجلدات. وإلى ذكر مئات بل آلاف الأشخاص ممن قدموا منجزاً في ذلك الاختصاص أياً كان نوعه. وما سياق هذه المادة إلاّ معلومات مختزنة في الذاكرة مع بعض اجتهاد شخصي متواضع. أما مصادر قصائد “الهايكو” فمنقولة على ذمة (مواقع شبكة الإنترنت)