
د. إنعام زعل القيسي / الأردن
مدخل عام
يعدُّ ” عرار “([1]) مصطفى وهبي التل ( 25 آيار 1899م-24 مايو 1949)([2]) شاعر الأردن غير مدافع([3])، كما وصف نفسه في شعره، وكان قد ولد في مدينة إربد، سنة 1899م ، والتحق بالمدرسة الابتدائية في مدينة إربد، ثم سافر إلى دمشق عام 1912 م. ونفي إلى حلب حيث أكمل دراسته الثانوية في المدرسة السلطانية في مدينة حلب، ثم تركها إلى بيروت منفياً بسبب تطاوله على والي حلب. وأكمل دراسته فيها فيما بعد. وكان عرار قد درس القانون في أواخر العشرينات، واجتاز فحص وزارة العدلية ليحصل على إجازة المحاماة عام 1930م([4]). وأتقن ” التركية “، وتعلم ” الفارسية ” و ” الفرنسية”([5]).
عُرف عرار بدهائه وجرأته وصراحته في المصلحة الوطنية، في بدايات تأسيس إمارة شرقي الأردن على يد الأمير عبد الله بن الحسين .وتدرج عرار بالسلك الوظيفي حيث عين مدرساً في الكرك، ثم حاكماً إدارياً في مناطق: وادي السير والزرقاء والشوبك، وأصبح بعدها مدعياً عاماً في السلط، ثم عين رئيسياً للتشريفات في الديوان الأميري. ليصبح بعدها متصرفاً للبلقاء لمدة أربعة أشهر. إلا أنه عزل واقتيد إلى سجن المحطة في عمان. وبعد خروجه من السجن، في عام 1942، عمل في المحاماة في عمان وإربد، إلى أن توفي عام 1949([6]).
وقد ترك عرار عدداً من الآثار النثرية إلى جانب ديوانه الشعري. ولما كان يتقن التركية والفارسية، فقد ترجم رباعيات الخيام نثراً. وله اشتغال في اللغة والأدب، و(أعمال) و(مقالات) تدل على اطلاع واسع على آداب الأمم المختلفة. من مؤلفاته: عشيات وادي اليابس: وهو ديوانه الشعري. تناول فيه أحوال المجتمع والناس وهمومهم، وبالرفاه والبنين مشترك مع خليل نصر، وأوراق عرار السياسية، وترجمة رباعيات عمر الخيام([7]). ويتسم شعر عرار بالخفة والعذوبة، والعمق في التعبير عن التجربة الذاتية والمحلية والإنسانية، ومناهضة الظلم ومقارعة الاستعمار، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد المجتمع([8]).
أما عمر الخيّام، غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام المعروف بعمر الخيام (408هـ/1040م -517هـ/ 1131م) ([9])، فيعد واحدًا من علماء المسلمين البارزين في القرن الخامس الهجري ومن شعرائه كذلك، وهو واحد ممن يطلق عليهم في الأدب الفارسي”أصحاب اللسانين” الذين يتكلمون الفارسية والعربية ويكتبون بهما. وفد جاءت شهرته من التصاق اسمه بالرباعيات المنظومة بالفارسية على شكل (الدوبيت) والمكونة من أربعة أشطر تنتهي بقافية واحدة ووزن واحد. وهو ما عرف باسم الرباعي الكامل، أما الرباعي (الأعرج) فهو يقوم على وزن واحد مع اختلاف قافية الشطر الثالث ـــ غالباً ــ والوزن هو بحر (الهزج) المؤلف من تكرار تفعيلة (مفاعيلن) ست مرَّات. وقد استخرج منه الشعراء أربعة وعشرين وزناً. وقد جاء معظم رباعيات الخيّام من ما يسمى بالأعرج وهي عبارة عن مقطعات من أربعة أشطار، الشطر الثالث مطلق بينما الثلاثة الأخرى مقيدة، وهي تعرف باسم الدوبيت بالفارسية، وقد ألفها بالفارسية رغم أنه كان يستطيع أن يصوغها بالعربية([10]).
ومهما يكن الأمر، فالرباعيات نتاج فارسي جُمعت في أواسط القرن التاسع الهجري بعد مضي ثلاثة قرون ونصف على وفاة عمر الخيام؛ ولا يعلم عددها بدقة؛ لأنه ما زال يظهر لدينا أشكال منها وإن قيل: بلغت (1200) رباعية. وقد تناولها الدارسون وحققوا بعضها لعمر الخيام، بينما نُسب إليه كثير آخر([11]).
وتشير الدراسات إلى أن الخيام كان ينظم الرباعيات “ليفرج بها عن نفسه بعد طول البحث في مسائل النجوم، أو التدقيق في أبحاث الطب، أو التحقيق في غوامض الحكمة ولقد كان يسجل الفكرة الكبيرة في تلك الرباعيات البسيطة اللطيفة. ويقال: إنه حينما يتحير في حلّ مسائل العالم بطريق العقل والبرهان كان يتحرك إحساسه عند النظر في تلك المسائل فيظل مبهوتاً متحيراً، فإذا به يحلق في الفضاء الواسع، فيطير بفكره وخياله فيجري لسانه بتلك الرباعيات”([12]).
وقد جاءت الرباعيات متفاوتة في المضمون والبناء؛ وإن تشابهت في كثير من الملامح الفنية، وعلى الرغم من أنها تدعو إلى الإقبال على الحياة والميل إلى اقتناص اللذات والمتع، وتدور حول الخمرة والمرأة، ومبدأ الشك، والبحث عن سر الوجود؛ فإن هناك مَن يرى أنها عرفانية صوفية ولا صلة لها بكل ما انطوت عليه من العبث والإلحاد([13]).
وقد ترجمت الرباعيات إلى العربية عن الفارسية في الوقت الذي تُرجم عدد منها عن لغات أخرى كالإنكليزية، فقد ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واللاتينية والتركية وغيرها. أما ترجماتها العربية فقد زادت على خمس عشرة ترجمة، عدا الدراسات والأبحاث التي قامت حولها([14]). ويعد الأستاذ وديع البستاني أول من ترجمها عن الإنكليزية إلى العربية سنة (1912م) وأحالها إلى سباعية بدل الرباعية([15]). ولما اطلع عليها عدد من الشعراء العرب سارعوا إلى ترجمتها عن الفارسية؛ فقد ترجمها عن الفارسية أحمد الصافي النجفي إثر قراءته لترجمة وديع البستاني؛ ثم تعلم الشاعر أحمد رامي الفارسية وترجم الرباعيات عنها سنة (1924م). وكان الشاعر جميل صدقي الزهاوي قد ترجمها شعراً سنة (1924م) عن الفارسية؛ ولكنه أكثر التصرف فيها, ثم ترجمها نثراً فالتزم بالنقل الحرفي مثله مثل مصطفى وهبي التل (عَرار)؛ على حين جمعت ترجمة محمد الفراتي بين الروح الشعرية والالتزام بكثير من المعاني الأصلية باعتباره متقناً للفارسية، ومترجماً عنها، إضافة إلى ترجمات أخرى كترجمة محمد السباعي وأحمد حامد الصراف مما وقف عنده الأستاذ الدكتور يوسف بكار([16]).
لقراءة المزيد اضغط على الرابط أدناه