في صَمتِ الغُروبِ وَهُدُوءِ البَحرِ: تَأمُّلٌ في عَظمةِ الرَّبِّ وَإِبداعِ خَلقِهِ”
حينَ تَغفو الشَّمسُ على كتفِ الأفق، وتَنسَدلُ خُيوطُ الضِّياءِ الأخيرةِ على صفحةِ البحر، يُولدُ صمتٌ مُقدَّس، كأنَّهُ همسةٌ من السماء. هناك، بينَ الغُروبِ والبَحرِ، يَتجلّى وجهُ الرَّبِّ في أبْهى صورِ الجمالِ والرَّحمةِ، وتَصيرُ الطَّبيعةُ مِحرابًا يُصلِّي فيه القلبُ قبلَ اللسان.
غُروبُ الشَّمسِ: لَونُ المجدِ ودفءُ الوداعِ
ما أروعَ ذلكَ المشهدَ حين تبدأُ السَّماءُ بالتلوُّنِ، فتَختلطُ زرقةُ النَّهارِ بحُمرةِ الأصيلِ، وتَذوبُ الألوانُ في لوحةٍ لا يُمكِنُ لبشرٍ أن يُعيدَ رسمَها. إنَّهُ لحظَةٌ فريدةٌ، لا تتكرَّرُ بذاتِ الشَّكلِ أبدًا، لأنَّ الرَّبَّ يُبدِعُ في كلِّ يومٍ لوحةً جديدةً، تُخاطبُ الأرواحَ المُنهَكَة، وتُحيي في القلبِ سُكونًا عميقًا.
الغروبُ ليس نهايةً، بل ترجمةٌ صامتةٌ لحكمةِ اللهِ في الدَّورةِ، في الفَناءِ المؤقَّتِ الذي يُمهِّدُ للفجرِ، وفي الإيقاعِ الذي يضبطُ به الخالقُ زمنَ الحياةِ.
البَحرُ: مِرآةُ السَّماءِ وَعُمْقُ الأسرارِ
وأمامَ البحرِ، يَقِفُ الإنسانُ صغيرًا، لا لِضعفٍ، بل لِعَظَمةِ ما يَراه. الموجُ الذي لا يهدأُ، والعمقُ الذي لا يُقاسُ، والغموضُ الذي لا يُسْتَوعَبُ… كلها تَدلُّ على إلهٍ لا حُدودَ لقدرتهِ. قالَ أيُّوب: “هوَ صانِعُ الأرضِ بقوَّتِهِ، مُرَتِّبُ المسكونةِ بحكمتِهِ، باسطُ السَّماءِ بفهمِهِ” (إرميا 10:12).
في البَحرِ نَسمعُ صوتَ اللهِ، لا بصَوتٍ مسموعٍ، بل في حركاتِ الموجِ، وفي تَكرارِهِ الذي لا يملُّ، وكأنَّهُ تَسبيحٌ أبديٌّ لا يتوقَّفُ.
تأمُّلٌ بين الغروبِ والبحرِ: سُكونٌ يَفضحُ العَظمة
ما بينَ غروبِ الشَّمسِ وهمسِ البحرِ، تَهدأُ النُّفوسُ، وتَرتفعُ الصَّلاةُ، ولو بلا كلمات. هناكَ، في ذلكَ الجمالِ الإلهيِّ، نُدرِكُ أنَّ الرَّبَّ لا يُبدعُ فقط في خَلقِ العَظائمِ، بل في التَّفاصيلِ الصَّغيرةِ أيضًا. لونُ السَّماءِ، لمعةُ الماء، رائحةُ المِلحِ في الهواء… كلُّها رسائلُ حبٍّ، وعلاماتُ حضورٍ، وإشاراتٌ أنَّ اللهَ معنا، في كُلِّ شيء.
الجمالُ مرآةُ اللهِ في الخليقةِ
حينَ ننظُرُ إلى الغروبِ، ونستمعُ إلى البحرِ، نُدرِكُ أنَّ اللهَ ليس بعيدًا عنَّا، بل هو في وسطِ الجمالِ الذي صنعَهُ. هو الإلهُ الذي خلقَ، ولا يزالُ يُبدِعُ. كلُّ لحظةِ غروبٍ، وكلُّ موجةٍ تتكسَّرُ على الصَّخرِ، هِيَ دَعوَةٌ للتأمُّلِ، للإيمانِ، وللمحبَّةِ.