بقلم: أمل صيداوي
يقدّم الکاتب اللبناني رشيد الضعيف في رواية “ما رأت زينة وما لم ترَ” التي صدرت عن دار الساقي للطباعة والنشر في بيروت 3202 رؤية للعالم تختلف عن الأمثلة التي رأيناها حتى الآن.
تتّخذ هذه الرواية من البيئات المهمشة إطاراً مکانياً لأحداثها وشخوصها فتبرز بذلك رؤيتها للواقع المفرط في القسوة من المعاناة المعيشية، فمشكلة الكهرباء التي تعاني منها زينة وأهل بيتها، وصعوبة الحصول على الماء الساخن وبشرى ابنة زينة المصابة بما يشبه وسواس النظافة؛ ومشكلة الإيجارات ومعاناة المالكين، بعد أن فقدت الليرة قيمتها. فهو أولاً يكتبُ عن فئة من الناس، أبسط ما يمكن أن توصف به أنها تعيش على هامش الحياة، بالمعنى الدقيق الذي يحويه لفظ الهامش، كما أن التعبير عن وطأة الواقع الرازخ على كواهل أفرادها، بما فيه من قَهْرٍ وخرافة فاعلة في حيوات هؤلاء ومصائرهم، كما تبدّى في النهاية المأساوية التي انتهت إليهاالرواية. وفي كلِّ هذا هو حَريصٌ على البحث عن شكل يلائمه، ويحتويه ويجسده، فكانت “ما رأت زينة وما لم ترَ” بمثابة تجسيد لمأساة هؤلاء المهمشين المقموعين من واقعهم ، ثمَّ من الآخرين الذين أسهموا بشكل فاعل في الإمعان في قهرهم. ومن تأثير الخرافة وتصلّب بنية الوعي اللتين قادتهم لاستكمال المأساة. كانت الرغبة في انتهاك الشكل وطريقة تقديم الشخصيات، وعلاقة الزمان بالمكان، وتدخلات الكاتب وشروحاته الضمنية، هي ثيمة رواية“ما رأت زينة وما لم ترَ” ، وما ميز تلك الرواية هو تأكيدها أن العالم لم يعد متجانساً، ولم يكن من قبل كذلك، وان صفة التجانس قد ولّت الى غير رجعة ومن هنا فان الرواية تنتمي إلى أدب الخراب لأنها تضع الأحداث موضع البحث والتساؤل.
أنتج انفجار مرفأ بيروت المشؤوم أسئلة جديدة صيغت ضمن تصورات ايديولوجية وإبداعية ونقدية عكست ما يعتمل في النفوس من تشظٍ وغضب ويأس، وكأنها تسترد الأصوات التي سرقتها قوى القمع والكبح لتوسع معجم الاحتجاج والمكاشفة .
العنوان:
يحمل عنوان الرواية “ما رأت زينة وما لم ترَ”عدة مفارقات جدلية، إذ يمكن أن يشير في دلالته العميقة إلى وجود صدمة نفسية لدى زينب عندما رأت واجهات البنوك الزجاجية المكسَّرة التي كانت ترمزإلى الوهم الذي عاشه المواطن اللبناني بأن أمواله بالحفظ والصون في تلك البنوك بينما هي بالحقيقة ليست كذلك لأنه كانت هناك أزمة لدى المودِعين مع البنوك بعد أن مُنع السحب إلا بالقطارة، فكانت تلك البنوك سبباً مباشراً في تردّي الأوضاع المعيشية لدى اللبنانيين.
ملخص الرواية:
زينة عاملة منزل، تعود عصرَ الرابع من آب من سنة 2020 إلى بيتها، وتسمح لها زحمة السير بتأمل الشارع الذي تمرّ فيه، العامر بالحياة، شبّاناً وشابّات. فبيروت مدينة حية رغم الأزمات التي تعيشها، بسبب انهيار سعر العملة والاقتصاد، والخلافات السياسية العميقة، والصراع الدولي والإقليمي عليها وفيها. لكن عندما وصلت زينة إلى بيتها حدث الانفجار العظيم، انفجار المرفأ، أعظم انفجار في التاريخ بعد القنبلة الذرية في هيروشيما، فتغير كل شيء وتحول. تحول منطق الوجود، وتحولت القوانين التي تجري بحسبها الطبيعة، فلم تعدّ تصدق عين ما ترى، ولم يعد يدرك عقل ما جرى، أن تلعق الجرذان جروح الأجساد النازفة، وأن تمطر السماء رذاذاً من زجاج. ورغم ذلك أصرت زينة الوفية على العودة إلى بيت مخدوميها، برفقة ابنتها، لترى ما حلّ بهم، فتُفاجأ هناك بما رأت وتُصدم.
– أهم مفاهيم الرواية:
الخرافة
تعكس هذه الرواية تخلف المجتمعات العربیة التي تؤمن بالخرافات، التي لیست إلاضرباً من الأوهام یتشبثبها الإنسان العربي حيث يعتبر انكسار الفنجان نذير شؤم بالنسبة لزينة وللسيدة سوسن. لذا فإن السيدة سوسن علّقت بكلمة “انكسر الشر”
“ينزلق فنجان الشّاي من مكانه ويقع
“انكسر الشرّ”، تعلّق الستّ سوسن”.
تشاؤم
يبعث تمثال مريم العذراء في الرمز الدیني علی الشعوربالأمل والإيمان لأن السيدة مريم العذراء هي رمزللطهارة والمحبة وعند تحطّمه ينتاب زينة شعور بأن هناك مكروهاً سوف يحدث.
“ثمّ يسقط تمثالٌ لمريم العذراء ويتحطّم.
“الله يعطينا خير هالنّهار”، تتمتم زينة.
لكنّ الشرّ في ذلك اليوم لم ينكسر والخير لم يأتِ.
بل إنّ ما حدث مع المرأتين كان نذيراً بكارثة آتية.
سينفجر الكون.
سينفجر ثانيةً”.
محنة زينة
اضطر زوج زينة للسفر في البحر وكانت وجهته إلى أمريكا لكن السفينة التي كان على متنها غرقت وغرق هو معها وكانت زينة وقتها حبلى بابنتها بشرى، فاضطرت للعمل كخادمة عند السيدة سوسن.
انفصام عن الواقع
أدار الزوج فيصل التلفاز ليسمع أخبار الانفجار رغم علمه بوفاة زوجته سوسن وقد شعرنا بغرابة تصرّفاته التي دّلت على انفصامه عن الواقع نتيجة لحدوث صدمة شديدة لديه.
الرموز بعدالانفجار
• منظر الأسماك التي تلعق دماء الضحايا والتي تحوّلت من أسماك زينة وديعة إلى مصاصة دماء من أجل بقائها. وترمزإلى أن وداعة ولطف الزعماء السياسيين والذين ينبغي أن يكونوا قدوة لشعبهمتتحول إلى جنون وهمجية في سبيل غريزة حب البقاء.
• منظر الجرذان التي تنهش أجسادالضحايا وهي ترمزإلى السياسيين المتسببين بفسادهم عن الانفجار.
• رمزالطائر المشؤوم الذي أوقع زينة وبشرى في طريقهما إلى منزل مخدومي زينة، فالطائر كان رمزاً للقدر المحتوم الذي وقع على سكان مارميخائيل القريبين من مرفأ بيروت وعلى جميع من كانوا متواجدين أومارّين من هناك.
النتائج
1- من حیث شخصیّات الرواية اختار الكاتب عينة من أناس المدينة، ينتمون إلى الطبقة الوسطى وما دون المؤلفة من: زينة، بشرى، ماري، فيصل، سوسن.
2- تعكس الرواية لنا كمرآة معاناة الناس المعيشية قبل وبعد الانفجار.
3- رواية “ما رأت زينة وما لم ترَ”تحكي كارثة انفجار مرفأ بيروت وماتمخض عنها من مآسيوضحايا. 4- هي رواية تحمل هماً وتنقل أثراً من أسى أصاب نصف سكان العاصمة بيروت، في الرابع من اغسطس (آب) من عام 2020.
