بثينة خضر مكي
قالت وهي تبتسم في صفاء
أريدك أن تحبني في مودة صافيه.. لا دخل فيها لمتنازعات الجسد.. “كن صديقي” كما تقول الشاعرة سعاد الصباح ودعني أمارس جنوني في حديث الأعماق، هناك أشياء كثيرة تمور في داخلي. لا أجرؤ على وضعها في السطح وإخراجها ولو بالكتابة
أطلق ضحكة صافية صمت لثوان وقال
لا أستطيع أن أعدك بهذا أحبك كأخت وكزميلة وكامرأة استطاعت أن تقتلع إدهاشاً مكبوتاً من داخلي.. ظننت أنني من كثرة علاقاتي النسائية بجنسيات متعددة وتجاربي الكثيرة في مختبرات الحياة والغربة أن لا شيء سيدهشني. صمت قليلاً وأخذ في ترتيب الأوراق والملفات الموجودة أمامه على طاولة المكتب
لو تعرفين كم أدمنت محادثاتك عبر الهاتف.. لقد اخترقت سياجاً عاتياً يلوَّن حياتي بإعصار حزين.. اندهش من نفسي وأنا أضحك وتمور دواخلي بمرح حقيقي وأنا أستمع إليك وأحاورك.. أنت امرأة يصعب على المرء عدم الوقوع في مسالك غرامها
أرجوك.. اتفقنا أن نتعامل بطريقة مختلفة عن الطريقة العادية التي يتم التعامل بها بين الرجال والنساء.. بالنسبة لي أنت رجل مختلف في تفكيرك ووعيك ونظرتك للأشياء.. أنت تقول إنني مختلفة في طريقة تقييم الأشياء والتفكير.. دعنا ننشئ علاقة متفردة.. صدق مغلف بجنون الكتابة ونزقها وطيشها وجديتها وعقلانيتها.. ليتك تنسى تماماً انني امرأة.. وتعاملني بمحبة ودودة كما تعامل صديقك كمال
ضحك كثيراً وهو يردد بين ضحكاته
حاضر.. سأحاول.. ولو أنه أمر صعب بالنسبة لي
لأسباب خارجة عن إرادتها كرهت العلاقة العادية بين الرجل والمرأة وظلت ترفض الزواج دائماً، لكنها في اهتمامها بذاتها وفكرها وعقلها لم تنس جمالها فهو في نظرها جزء مكمل لشخصيتها الخارجية. هي تحيط نفسها بسياج من الرزانة والتعقل يظنه كثيرون من حولها غرور وتمنع من امرأة جميلة تعرف مدى تأثير جمالها وسطوة شخصيتها لدى الآخرين
تدهشها وتغضبها الكلمات التي تعرف لها العلاقة الجنسية في اللغة العربية مثل وطء.. يطأ.. كيف والوطء يمثل في لغتها منتهى السقوط والانحدار مثل يطأه بأقدامه.. كيف يكون هذا هو تعريف علاقة تكون في العموم أصل الوجود الإنساني؟
مفردة لغوية أخرى.. في منتهى السخف من وجهة نظرها.. يعتليها.. من هو الشخص الذي يستحق ان يعتليها.. هو فوقها وهي.. بكل جبروتها وسطوة جمالها وديمومة فكرها.. تحته؟! يمتطيها كما يمتطي فرسة جامحة تعب كثيراً في ترويضها.. أو ربما مثل حمارة بليدة لا يجوز لها حق رفضه
تتعجب كيف توصف علاقة اكتمال الحياة بمثل هذه المفردات اللغوية القبيحة التفسير
كيف يمكن أن تضع نفسها في أسر علاقة توصف بمثل هذه المفردات اللغوية.. كيف يمكن أن تستهويها وهي عاشقة الجمال في الطبيعة والاخلاق وملامح البشر.. واللغة.. اللغة التي تجعلها تصل ذروة المتعة حين تستمع إليها في عمل ابداعي
راقبته، وحزن شفيف ينطلق من اسار كلماته وإيماءات يديه أثناء حديثه معها بينما يطل الحزن من عينيه على ملامح وجهه وهو يحكي لها عن أدق أسراره وعن الظروف المؤلمة التي تحيط بإطار حياته في العمل وفي الأسرة. وصار الحديث بينهما عادة يومية
تندهش لهذا اللقاء المتأخر.. الذي كان نتيجة صدفة غير متوقعة.. جاءت ربما في الوقت المناسب تماماً.. في غبشة العمر، وكل هذه الوحشة الداخلية التي تعتروها رغم كل الحشود حولها.. (كل هذا الزحام ولا أحد)
انبثق وجوده في وعيها الداخلي وتفاصيل حياتها اليومية.. هو كاتب روائي ذائع الصيت وهي كاتبة روائية تهتز لمكانتها الأدبية.. هل سيكتبها .. أم انها هي التي ستنال حظوة انطلاق سطور مشاعرها بين الاوراق البيضاء وتفوز برواية العمر التي كانت تتلهف على كتابتها
من سيكتب الآخر؟