جَدارا تَفْتَحُ التّاريخَ بابا
إِلى الْعَلْياءِ يَنْتَسِبُ انْتِسابا
لها عَبَقٌ تَسامى بِامْتِيازٍ
حَضارَتُها تَشُقُّ لَها عُبابا
صَدى الْآدابِ يَسْمو في مَداها
وَتَنْجَذِبُ الْعُلومُ لَها انْجِذابا
هِيَ الْأَخْلاقُ مَنْشَؤُها بِقَصْرٍ
إِذا ما رُمْتَ أَخْلاقًا عِذابا
وَعِطرُ الْوَرْدِ مُنْتَشِرٌ شَذاهُ
لَدى الْأَفْياءِ يَنْسابُ انْسِيابا
وَأَحْلامُ الشَّبابِ وُرودُ بَحْرٍ
بِهِ الْآدابُ تَزْدادُ اهْتِيابا
هِيَ الْأُمُّ الَّتي رَبَّتْ رِجالاً
هِيَ الْأَنْداءُ قَدْ أَحْيَتْ يَبابا
وَنُورُ الْعِلْمِ بَوَّأَها مَكانًا
لَدى الْعَلْياءِ أَهْداها شَبابا
أَضاؤُوا أُفْقَها عِلمًا وَفِكْرًا
تَكادُ عُلومُهُمْ تَرقى السَّحابا
لَهُمْ في كُلِّ مُؤْتَمَرٍ حُضورٌ
يَزيدُ الْقَوْمَ نُورًا مُسْتَطابا
عَلى جَنَباتِها تَخْتالُ فَخْرًا
قَوافِيَّ ابْتِهالاً وَالْتِهابا
أَبى سِحْرُ الْجَمالِ عَلى رُباها
وَفي وُكُناتِها إِلا انْتِصابا
فَلَيْسَ كَمِثْلِها صَرْحٌ لِعِلْمٍ
دَعا بَحْرَ الثَّقافَةِ فَاسْتَجابا
فَفاضَ عَلى الضِّفافِ يبثُّ خَيْرًا
يَعُمُّ الْكَونَ قَدْ أَثْرى وَطابا
وَمِنْ كُلِّ الْحُدوبِ أَتَتْ إِلَيْهِ
ضُيوفُ الْعِلْمِ تَقْتَرِبُ اقْتِرابا
لِتَنْهَلَ مِنْ رَوافِدِهِ الصَّوافي
صُنوفَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبَ اللُّبابا
تَباهى السّائِرون عَلى هُداها
وَفيها الْوُدُّ يَنْسِكِبُ انْسِكابا
تَفَتَّحَ زَهْرُها وَنَما شَذاها
حَدائِقُها رَمَتْ عَنْها الْحِجابا
جَدارا تَفْتَحُ الْأَبْوابَ شَوقًا
لِمَنْ يَرْتادُها بابًا فَبابا
وَتُعْطي الْعاشِقينَ وِسامَ صِدْقٍ
وَتَفْتَحُ قَلْبَها لَهُمُ كِتابا
لَها نَفْسي تَتُوقُ وَتَشْتَهيها
وَتُحْسِنُ في مَعانِيها الْخِطابا
وَمْهْما باحَتِ الْأَقْلامُ شِعْرًا
بِغَيرِ جَنابِها لَنْ يُسْتَطابا
وَمَهْما خَطَّتِ الْأَقْلامُ نَثْرًا
مِنَ الْكَلِماتِ لَنْ يَفِيَ الْجَنابا
إِذا أَصْبَحْتَ في هَمٍّ وَغَمٍّ
وَكُنْتَ بِساحِها وَالْحُزْنُ شابا
تَلاشى الْغَمُّ وَانْقَشَعَتْ هُمومٌ
وَعَمَّتْ فَرْحَةٌ وَالْحُزْنُ غابا
جَدارا مَجْمَعَ النَّوارِ عُذْرًا
لَقَدْ قَصَّرْتُ في وَصْفي وَخابا
فَأَنْتِ جَديرَةٌ بِالْعِشْقِ عِنْدي
سَكَنْتِ بِخافِقي سَكَنًا فَذابا
مَزجْتُكِ في شَرايِيني وَشِعْري
وَكُنْتِ الْبَلْسَمَ الْيَشْفي الْمُصابا
أَنَرْتِ الْقَلْبَ عِلمًا لا يُضاهى
وَعَطَّرتِ الْفَيافي وَالْهِضابا
وَجاوَزْتِ النُّجومَ لِنَيْلِ مَجْدٍ
وَبيْتُ العِلْمِ يَحْتَمِلُ الصِّعابا
جَدارا مَرْجِعُ التّاريخِ فِيها
فَسَلْها الْيَوْمَ تُنْبِئْكَ الْجَوابا
مَضَتْ في رِحْلَةِ الْإِخْلاصِ تَزْهو
يَفُوحُ الْعِلْمُ مِنْها مُسْتَطابا
هَنيئًا لِلّذي سَوّى بِناها
وَطُوبى لِلْمُقِيمينَ الْقِبابا
وَدامَتْ لِلْعُلومِ بِكُلِّ فَخْرٍ
صُروحٌ خَرَّجَتْ صِيدًا شَبابا
جَدارا جَدِّدي في كُلِّ يَوْمٍ
صَباحًا مُشْرِقًا غَضًّا إِهابا
وَدُومي شَمْسَ عِزٍّ في سَمانا
وَنُورًا ناصِعًا يَجْلو الضَّبابا