بقلم الدكتورة أمل عباسي -باحثة وناقدة ومترجمة من المغرب
مــــدخـــــــــل
حداثة ظهرها إلى الجدار ـ قراءات في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج ـ إصدار للكاتب البحريني الدكتور حسن مدن، عن دار الرافدين بيروت، يتكون من أربعة فصول ومقدمة ومدخل وخاتمة، قد توحي أسكفته، من الوهلة الأولى، بالطابع التاريخي ـ التوثيقي للأحداث بمنطقة الخليج العربي، إلا أن مقدمته تأتي بعد عنوانه لتكسر أفق انتظار متلقيه، وتعلن صراحة وعلى لسان مؤلفها، أن الكتاب وقوف عند تمفصلات مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي، وهي تمفصلات لا يمكن عرض تفاصيلها دون الوقوف عند محطاتها التاريخية
عندما نقرأ عنوان الدراسة، يتبادر إلى ذهننا هذا السؤال: لماذا الحداثة؟ بل إن الأمر قد يذهب بنا إلى أبعد من ذلك، إلى سؤال الآخر والذات، الذي تعج به مختلف الدراسات العربية، يقول عبد الله العروي في هذا الشأن
(منذ ما يقرب من ثمانية عقود والعرب لا يكفون يتساءلون: من نحن ومن الآخر؟) ، وهو سؤال استقى مشروعيته من التفوق الذي أحرزه الغرب، ليفتح لنفسه باب التحكم في اختياراته السياسية والاقتصادية، ويفرض أشكال جديدة في تشكيل العلاقات الإنسانية والتعامل مع المحيط والكون، فمنذ العصور الحديثة، وبينما حققت أوربا ثورات مادية وفكرية، فإن الغالبية الساحقة من دول العالم العربي الإسلامي تعيش على ما يعرف ـ باقتصاد الكفاف ـ ، وتسعى جاهدة للحفاظ على تماسكها واكتفائها الداخليين، ليُفرض بذلك الغزو بمختلف أشكاله وأنماطه، حيث كانت النتيجة زعزعت الأفكار وإعادة مراجعة الذات، وبالتالي التفكير في التحديث كحل لمواكبة الوافد الجديد، وهكذا (ترتب عن ذلك فوضى اجتماعية، ستعاني منها أجيال المستقبل وسوف لن تكون مسؤولة عنها)
[1] عبد الله العروي: الإيديولوجية العربية المعاصرة، المركز الثقافي، ط1، 1995، ص 35. [1] L/Haworth . Des villes pour les hommes, Paris, nouveaux horizons, 1969, P. 65
ويرجع التأريخ لظهور الحداثة عالميا بظهور المجتمع الغربي البورجوازي ، أطرته ما يعرف ب (النهضة الأوربية)، بموازاة النهضة العربية في العالم العربي، بالرغم من أنها لم تشهد نفس الأسباب والمسببات التي عرفتها الأولى، فما نسميه بالنهضة العربية، ارتبط أساسا ببداية الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين، وبخاصة حملة نابوليون على مصر سنة 1789، ليكتشف علوم البلد وحضارته وثقافته، وقد أدى هذا الالتقاء الثقافي إلى الكشف عن العجز، بله التدهور الذي تعيشه البلدان العربية في تلك الفترة من التاريخ، وربما فتح الأمر الباب واسعا أمام العرب ليؤسسوا لثقافة التغيير، هذا المكون الذي يعتبر سنة حياة مفروضة على الخلق
فالتغيير هو العملية التي تقرب المستقبل من حاضرنا، فصدمة المستقبل هي التغيير السريع في وقت جد قصير، كما عبر عن ذلك ألفن توفلر
مسار تتبعي مهم، خطه د. حسن مدن ليدلي بدلوه في شأن الحداثة العربية، ويتتبع تحولات المجتمع العربي القديم، خاصة مجتمع الخليج والجزيرة العربية، بكتاب حمل بين ثناياه معلومات تفصيلية عن أوضاع المنطقة بمختلف أنماطها، إذ يعد الكتاب وقوفا عند التشكيلات الثقافية والسياسية والاقتصادية لمنطقة الخليج العربي، منذ إسهام الإسلام في فك عزلتها، وصولا إلى المحاولات الحثيثة لبناء ثقافة محلية مستمدة من الأصول والجذور، ولو أن الانفتاح على العالم الخارجي كان المدماك المحرك لكل الإسهامات الثقافية داخل مناطق عربية، منها: العراق ومصر والشام وغيرها
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فيحضرني في هذا المقام، ما قرأته يوما، أن مصر كانت متأخرة ثقافيا عن لبنان، فقد انبعثت فيها الحياة الأدبية، فوجهت عنايتها الأولى إلى الأحداث السياسية، إذ حوالي سنة 1870م، استيقظ الشعور الوطني، وتزايدت شرارته مع الحرب الروسيىة ـ التركية سنة 1877م، حيث بلغ أوجه خلال الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882م، وفي هذه الفترة ستزهر الصحافة العربية بها، بقيادة رجال لبنان الذين هاجروا إلى مصر
وهكذا، تمركزت أطروحة الكتاب حول أهم تشكلات الأوضاع بمختلف تجلياتها داخل منطقة الخليج والجزيرة العربية التي كانت ولازالت وجهة لأهم التحولات الثقافية التي استأثرت باهتمام د حسن مدن، منذ زمن، إذ لم تكن وليدة أوراق هذا الإصدار، بل يعود تاريخها إلى ما كتبه من مقالات منذ عام 2000، يتوسطها موضوع (الحداثة) كجمانة تزين عقد الأحداث
لقد عمد د.مدن إلى تعزيز إصداره بإشارات من مؤلفات يعتد بقيمتها الثقافية، وعلى رأسها كتب أركون والغذامي و العروي وغيرها، بتمحيص شديد ودقيق لمعطياتها
١- أدب الجزيرة العربية من الجاهلية إلى الإسلام
تميز مجال القول في الفصل الأول من كتاب: حداثة ظهرها إلى الجدار بسعة وتفصيل مهمين، فقد خصصه الكاتب للحديث عن أدب الجزيرة العربية، وانحصار الأخيرة بين عزلتين: عزلة جغرافية وعزلة ثقافية، تبرزان مظهري الظهر والجدار اللذين أشار إليها عنوان المؤلف، حيث شرحهما المؤلف بقوله، وهو مدار الحديث: (نعني بهذا التوصيف أن التحديث في مجتمعاتنا الخليجية مازال يتكئ على جدران، أي على الجانب العمراني، المظهر غير الخفي على الأعين، وهذا الجدار نفسه يتحول، مع مرور الوقت، إلى صد بوجه تقدم الحداثة، وما هو بذلك)
وفي ذلك إشارة إلى ممتهني الثقافة الذين تنقصهم الجرأة والأجرأة الفكرية لمقارعة معوقات الحداثة، حيث يميلون إلى المهادنة والاحتماء بالجدار درءا لكل مواجهة، يفرضها معترك الحياة الذي يتطلب رباطة جأش وعزم وحزم
ولأن الأدب ابن بيئته فقد عرض د.مدن لأهم تطورات الحالة الأدبية ومعها السياسية والاقتصادية لدول الخليج، مشخصا الوضع تشخيصا دقيقا داخل دائرته المحلية والتي عرفت تسجيل تراث محلي متنوع بحسب المناطق وعاداتها وتقاليد أصحابها، مما انعكس أيضا على الجانب الثقافي الذي سجل هو الآخر تنوعا واضحا، والذي عكس تمظهرات الوضع داخل دول الخليج، من ذلك
التباس العلاقة بين السلطة الثقافية والسلطة السياسية، سيادة نمط الثقافة الاستهلاكية، تحديات ما بعد الدولة الريعية، النظرة الملتبسة إلى الحداثة،… إلى غير ذلك من التحديات الكبيرة
ففي هذا الفصل الافتتاحي، تناول الكاتب بتفصيل أدب الجزيرة العربية في مواجهته للعزلة قبل مجيء الإسلام الذي كان له الدور والفضل الكبيرين في تكسيرها، وتوحيد تفرقة الجاهلية للجزيرة العربية، ثم انتقال المركز الحضاري لدمشق ثم بغداد وغيرهما، ليستمر التاريخ التوثيقي في هذا الفصل الفاتح، معرجا على أهم الأحداث التاريخية والسياسية والاجتماعية إلى أن يصل إلى تأسيس المملكة العربية السعودية، وبراعتها في تسخير الحركة الوهابية خدمة لمصالحها القائمة
وبممارستنا للتحليل الثقافي على معطيات هذا الفصل، يتضح لنا الاعتبار السياسي المهم الذي أثر بشكل فعلي ومباشر في الأحداث الثقافية التي شهدتها المنطقة فيما بعد، وخاصة زمن الحداثة، فالاهتمام بما يقع خارج دائرة الضوء والسعي الدؤوب للكشف عنه، يؤسس لا محالة لفهم واضح ودقيق لمجريات الأمور سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا
٢- أهم التحولات داخل منطقة الخليج قبل وبعد اكتشاف النفط
يشير الفصل الثاني من الكتاب إلى أهم التحولات التي عرفتها مجتمعات بلدان الخليج، خاصة قبل اكتشاف النفط الذي عوض الاقتصاد القائم على صيد اللؤلؤ وتجارته، والزراعات والصناعات اليدوية والتجارة، وهو الأمر الذي مكن من خلق فرص كثيرة لقلب البناء الطبقي والاجتماعي بالمنطقة
وبازدهار الثقافة، تزدهر الأندية والجمعيات المحلية، لترفع شعار ضرورة الرفع من الشأن الثقافي المحلي والعناية بالثقافة الإسلامية، ردا على الفكر التبشيري في الحقبة التاريخية التي اهتم بدراستها د. حسن مدن
وبالرغم من انقسام المناطق وغلبة طابع الخصوصية عليها، تبقى قواسم مشتركة كثيرة ومتعددة، توحد وتجمع بينها، لتعرف ثقافة المنطقة تنوعا كبيرا ساعدها على ذلك ظهور الصحافة، وخاصة ما كان يعرف بالصحافة العربية التنويرية، وأيضا انتشار المدارس التعليمية وغيرها، الدافع في ذلك الترابط العاطفي الذي ساد بين الأسر العربية الإسلامية والذي ساهم بدوره في التأصيل والحفاظ على الموروث الثقافي، بل على النسق العام للبيئة العربية الإسلامية ككل، حتى في ظل الهجرة من وإلى بلدان غير عربية
٣- الهند ودورها الهام في تعرف دول منطقة الخليج العربي على الآخر
تتوالى أنساق بناء نظام الدولة العربية الإسلامية بكل تمظهراتها التي عرضها د. حسن مدن في الفصل الثالث، ممركزا حديثه على الهجرة الهندية إلى بلدان الخليج العربي، حيث لعبت الهند دورا ممهدا لبناء اللبنات الأساس في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، ولأهم الشخصيات التي استفادت من الحضارة الهندية، خاصة في المجال الأدبي والشعري، مشيرا إلى الدور الذي يقوم به العمال القادمون من دول آسيا تحديدا، باعتبارهم رافعة مهمة في التنمية الاقتصادية، وهكذا لعبت الهجرة من وإلى دول الخليج العربي دورا أساسيا في تبادل الخبرات، وتلاقح الثقافات المبني على الوعي بخصوصية العادات والأمكنة
٤- أجيال المثقفين الذين ساهموا في سلم التغيير
أما الفصل الرابع والأخير من الكتاب فقد خصه د.حسن مدن للمثقفين ودورهم في تنمية الشأن المحلي والعام، مستعرضا أهم الأسماء البارزة في هذا المضمار، مما سهل على القارئ تتبع هذه الأسماء البارزة، شخصيات من الهند عاشت في الخليج، وأخرى من الإمارات، من البحرين، من عمان، ومن السعودية
وقد قسم الكاتب هؤلاء إلى ثلاث فئات، خاصة داخل مجاله البحرين، وهو تقسيم لا يخلو من التداخل المستمر، حيث نجد
ـ الجيل الإصلاحي ذو النزوع الإسلامي.
ـ الجيل القومي ذو النزوع العروبي.
ـ الجيل الثوري ذو النزوع اليساري.
كما تميز هذا الفصل بالعرض المفصل للمثقفين وأنواع الأندية الثقافية والتيارات التنظيمية، كما شمل الحديث عن ظروف نشأتها وتشكيلها
هذا إلى جانب الإشارة المهمة إلى الجانب العمراني ومتعلقاته، والذي ينشد هو الآخر الانخراط الفعلي في مسار الحداثة، بالاستفادة مما تقدمه التقنية من معطيات جديدة دون المساس بالمقومات الأصيلة التي تحمل في عمقها صور الهوية والقومية
وبهذا التقدير، يمكن فهم الحداثة التي يؤثث لها هذا الإصدار المهم، باعتبارها مظهرا يدعو لتكثيف الجهود المحلية، ولا يتطلب السلامة التي يوفرها المشي جنب الحائط، بقدر ما يتطلب ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك ـ الإقدام والشجاعة والانخراط الفعلي في دوامة الحياة
وهنا يتداخل العمراني والأدبي والاقتصادي والسياسي، ليتم نسج مقوم قوي داعي إلى النهوض الإجرائي بمتطلبات الوضع الراهن، ليقدم فهما واضحا لأشكال النكوص أو الصعود في سلم التطور داخل منطقة الخليج العربي
(فالثقافة التي تخشى الآخرين، والاقتراب منهم، والتلاقح معهم، هي ثقافة هشة، ومريضة ومهزوزة، ولا أمل كبيرا في إصلاحها من الداخل، فعندما كانت ثقافتنا قوية وواثقة من نفسها، لم تخش التلاقح مع الثقافات الفارسية واليونانية والهندية، وغيرها من الثقافات السائدة في القرن التاسع الميلادي، وقبل هذا التاريخ، ومن خلال الترجمة ووضع الفلسفة والعلوم الطبيعية العربية في العصر العباسي (749ـ1258م)
هذا وتكمن (المشكلة الجدية التي تواجه من يسعى إلى الكتابة في ظروف وتفاصيل نشوء وبدايات التنظيمات والتيارات السياسية والفكرية الجديدة في البحرين ـ اليسارية منها والقومية، في عدم كفاية ما نشر من معلومات حتى الآن حول هذا الموضوع) ، فشح المصادر يجعل من الإحاطة بحيثيات الموضوع أمرا صعبا حتى أمام المحللين للوضع العام
وهكذا، يتضح أن إصدار هذا الكتاب لم يكن من الشأن الهين السهل، سيما وأن الكاتب بذل فيه جهدا مضاعفا، فمن أجل تتبع المسار التطوري للثقافة في دول الخليج العربي، على الكاتب أن يملك من الصبر والإلمام والحصافة ما يجعله يستخلص النتائج المرتجاة من الأمر
[1] دراسات وأبحاث المؤتمر الثالث للفكر العربي ـ العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة ـ مبادرة تضامنية بين الفكر والمال للنهوض بالأمة العربية، مؤسسة الفكر العربي، مراكش، 2004، ص 31
هذا إلى جانب ما يستخلصه القارئ من الفروق الواضحة بين الحداثة والتحديث، فالحداثة تأثير خارجي ـ براني، والتحديث يمكن اعتباره مستلزما جوانيا، يتطلب توظيف التقنية، وتسخير المخترعات للنهوض بالوضع المحلي
(يعلمنا التاريخ أن التحولات الأعمق والأهم في حياة الشعوب هي تلك التي أمسكت قوى فعلية مجتمعية بزمامها ومصائرها، كما أن هذه التحولات لا يمكن أن تخرج من قمقم الركود المستنقعي دون إعادة حق النخب الثقافية في التواصل مع مجتمعاتها بكل حرية) ، وبالتالي دعم الثقافة الديموقراطية، وتعميم مفاهيمها حتى نستفيد مما تقدمه الثقافة من مقومات من شأنها المضي بسير التطور في خطه الصحيح
حقيقة أن كتاب حداثة ظهرها إلى الجدار إصدار مهم في مجال بانوراما الثقافية في دول الخليج العربي، كتاب يدفع متأمله إلى طرح العديد من الأسئلة
ـ هل ما يعيشه العرب اليوم حداثة حقيقية بمقومات محلية، أم أنها حداثة برانية فرضت فرضا على أوضاع محلية مختلفة؟
ـ كيف يمكن للعرب أن يستفيدوا، بشكل عام، من الموروث الحضاري، وما عليهم القيام به لتكييف معطيات الحاضر مع الصورة المشعة التي كانوا عليها أمس؟
ـ هل وضع العرب الثقافي الحالي يسمح برسم صورة جديدة على المستوى التنموي العالمي؟
ـ هل يكفي تشخيص الوضعية الثقافية والسياسية والاقتصادية الراهنة لبلوغ معالم التطور المنشود؟
أسئلة وغيرها كثير تومئ إليها الدراسة المعروضة بأسلوب رصين، وأفكار محكمة تنم عن حدس وتمحص فكريين عميقين، إضافة إلى الإشارة المهمة إلى تقهقر دور فضاءات التنوير والحداثة لفائدة التيارات المحافظة التي تعمق المأزق البنيوي المتأرجح بين حداثة في المعمار والمظهر الخارجي، وتراجع على مستوى البنيات الأساس
ولعل تشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني وأيضا ما يصطلح على تسميته بمؤسسات النفع العام، لهو اليوم ضرورة ملحة وحاجة أساس للنهوض بما يشكل سبل الهوية وبنيان القومية، وبذلك يؤكد د.حسن مدن على ضرورة توطيد العلاقة مع الموروث الثقافي، وإعادة دراسة التاريخ الثقافي العام، خاصة في تلك الدول التي خصها بجهده ودراسته، لبناء نسق تصوري عام وصحيح، يمكن من وضع استراتيجية خاصة ومخصوصة للنهوض بالأوضاع القائمة
فالتاريخ الثقافي لمنطقة الخليج العربي لم يكتب بعد، من منظور د مدن، وهو مدخل حقيقي لإعادة النظر لذواتنا كعرب، ولإعادة الاعتبار لموروثاتنا الثقافية، وفرصة سانحة لاكتشاف ما لم تعلن عنه العلاقة المبهمة مع الحداثة الدخيلة، والتي تساهم بشكل خفي في طمس الخصوصية والهوية، ما لم يحسن العرب التعامل مع الوافد فيها، ومن صورها التمدين الذي تعرفه أغلب الدول العربية
(فعلى الرغم من طبيعته الكارثية والثورية، ينبغي أن يحلل في علاقته بالواقع الذي تعيشه البلدان، ومن الواضح أن المدن الكبرى تشارك في النمو الاقتصادي أولا وتساهم ثانيا في تحديث الاقتصاد، والتمدرس بالمدن ينشر نماذج استهلاكية من نوع حضري، كما يسبب في اجتثاث القرويين من جذورهم حينما يرتادون المدارس الثانوية بالمدينة، مما يؤدي أحيانا إلى تناسل أحياء طلابية بأغلب المدن لتشكل مرحلة انتقال إلى مدينة كبيرة)
تفرض نفسها على باقي المعطيات الأخرى
خاتــــــــــمــــــــــة
وجماع القول، إن كتاب: حداثة ظهرها إلى الجدار ـ قراءات في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج، للدكتور حسن مدن، لم يترك إشارة لا سهوا ولا رهوا إلا وظفها، لدراسة تحليلية لتشكلات لأحداث في المنطقة، حيث يعد دراسة مستفيضة لواقع التحديث في المجتمعات العربية، ذلك الواقع الذي يتكئ على جدران الجانب الشكلي ـ المظهري، دون إغفال لتداخل وسائل التواصل الاجتماعي، على عجارها وبجارها، مع عرض للمؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأيضا الثقافية لخلق واقع يحتاج إلى إعادة نظر
إن الجدار الحامي الذي لا زالت تتكئ عليه البنى الثقافية التقليدية، لهو المانع الذي يحول بينها وبين بلوغ الحداثة بالمفهوم الذي سطر له د حسن مدن في هذه الدراسة العميقة والمتميزة، والذي يجعل طريق التحديث سبيلا بعيدا عن المتناول الحالي
المصادر والمراجع بالعربية والفرنسية
ـ حسن مدن: حداثة ظهرها إلى الجدار ـ قراءة في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية ـ،دار الرافدين، ط1، أكتوبر، 2021
ـ دراسات وأبحاث المؤتمر الثالث للفكر العربي ـ العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة ـ، مبادرة تضامنية بين الفكر والمال للنهوض بالأمة العربية، مؤسسة الفكر العربي، مراكش، 2004.
ـ ع الله العروي: الإيديولوجية العربية المعاصرة، المركز الثقافي، ط1، 1995.
– J/F Troin : Evolution de la Consommation du Cadre Bâti en Milieu Rural, Mutations des Campagnes du Tiers Monde, Paris, CNRS, 1981.
– L/ Haworth : Des Villes pour les Hommes, Paris, nouveaux horizons, 1969.