بقلم هناء عبيد
صدر عن دار الياحور للنشر والتوزيع ديوان قدسيّ الهوى للكاتبة خولة أحمد إمام وجاء في ١٥٩ صفحة من الحجم المتوسط
العنوان وحده يأخذنا إلى القدس قبل الشروع في قراءة الديوان، وهو وحده كفيل بتأجيج العواطف والحنين والشوق إلى مهبط الأنبياء ومركز الحضارات والشعاع النوري الذي نستمد منه السلام والطمأنينة
استهلت الكاتبة ديوانها بإهداء قدمته إلى والديها رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته
وكما هو العنوان كان المحتوى الّذي شمل عدة قصائد اندرجت تحت عناوين مختلفة تصب في نفس الوعاء
ففي قصيدتها الأولى المعنونة (بلا عنوان) أحاسيس تنطق بشعور من تغرب على الأرض سواء خارج أسوار القدس أو داخلها، فالغربة تسكننا حتى لو كنا داخل المكان حينما يدوس المكان غريب يحاول طمس الهوية، وسحب بساط القدسية من تحت الأقدام، لكن هيهات أن يتم ذلك، وقد تعبأت الذاكرة منذ الطفولة بعشق الأرض، حين كان الطفل يستمع الى الحكايات في المكان الذي لن ينمحي من القلب يومًا، يلهو بين حقول الدحنون، ويحلم رغم القهر، ورغم الحزن، ولعل في الذاكرة وإن كانت مقهورة ذكريات تجعل من الأمل علمًا يرفرف أمام ناظر كل من سكن القدس، فالأحلام وإن كانت حزينة لكنها تظل تحمل بارقة الأمل بنهايات سعيدة لا تعرف اليأس، رغم كل محاولات اجتثات كل حلم وكل أمل وكل سعادة
تقول في قصيدتها المعنونة (ذاكرة مقهورة)
“طفل أحلم بكنوز علاء الدين
مصباح سحري وبنانير
نشيد الصبح بمدرستي يشجيني
أكتب عن فجري وسنيني”
وفي قصيدتها(هذيان حرف) تريد أن تمسح فيه دمعة مغترب، وأن ترسم حلمًا قمريًّا في عشّ يمام شاميّ
إنّها المسؤولية الّتي حملها عاتق كلّ مسؤول وصاحب ضمير، فمن حرق بنار الظّلم يشعر بمآسي غيره
وتتساءل هل الحلم بلا ألوان؟
نعم الحلم يتزين بكل الألوان، يتزين بالصبر والأمل وأمنيات تحمل في طياتها عودة وطن لأهله تحت ظل العدل والحب والرفاهية
وفي قصيدتها (أو تعلمين؟)
يتجلى الانتماء لقلب القدس بكل نبض ومشاعر ومحابر، ورغم وجودها في المدينة فهي تعلن شوقها الذي لا ينطفئ، فالربيع دونها يغدو فراغًا هائلًا لا يكتمل إلّا ببسمة ثغرها
ويعود الأمل في قصيدة أنا وعد السّماء، حيث تقول بلغتها الأنيقة
“كوضوء عابد في جوف الدجى
كالياسمين الغافي على شرفة المدى
قناديل الروح تبحث عن منار
يد الصباح تمتد
تربت على كتف الندى
قم، ما زال في غدك الرجاء
امسح دموعك”
نعم إنه الأمل الذي لا ينعدم من جوف مشاعر صادقة منتمية
وفي (قصيدتها قدسي الهوى) الّذي اختارت عنوانها ليكون عنوان الديوان، تحدثنا عن مدى عشقها لهذه المدينة، وتصور لنا جمال هذه المدينة البهية بشاعرية آسرة فتقول
“فوق ربوعك سحر
يتوه به الرائي
يسرق اللب والنظر
صلاتي فيك تحيي مني
شراييني وأوردتي”
وتتساءل عن أولئك العرب الذين نامت أعينهم عن وطن ينتظر همتهم فتقول
“والعرب باتت تتنكر
قدسي القلب وايماني
بالله أبدًا لن يقهر
(فيروز) ما عاد يقال
أجراس العودة فلتقرع”
والأمل حاضر بوجدان الشاعرة كما في وجداننا لنجد قصيدة عنونتها (على قيد الأمل)
فتقول
“لم يزل هنالك
بضع كلمات لم تقل
بضع حروف تبحث عن شق أمل
وسطور حالكات
تنتظر قطرة بوح
من غيث المقل”
نعم يظل الأمل يسكننا، فالحق لا بد أن يعود لأصحابه ولو بعد حين
وتستمر الشاعرة بقصائدها؛ تبكي تارة لحلم طفل يخشى ضياعه، وتتشبث بالأمل تارة أخرى، تتغنى بجمال المدينة وعظيم شوقها لها، وتبكي تارة لحزنٍ ينتظر يدًا حانية لمسح دمعته
القصائد جميعها كما العنوان قدسية الهوى، تأخذنا بأجنحة الشوق إلى مدينة ليست كباقي المدن، إلى أرض نورانية، يسطع شعاعها من خلال شاعرية متدفقة صادقة نابعة من وجدان دافئ، وضمير واع لا يمكن أن يخذل أمنيات الأمل
القصائد لم تخذل المشاعر، بل أججتها بلغة متينة رصينة وأحاسيس دافئة وانسيابيّة جعلت من الحزن والفرح والأمل أنهارًا دافقة منسابة رقراقة، تسر الأذن والعين والمشاعر
ديوان “قدسي الهوى” هو ضميرنا بصوت الكلمات الشاعرية، وشوقنا المتأجج بثنايا الحرف الصادق، وأملنا الذي لن يخبو يومًا، فهنيئا للمكتبة العربية بهذا الإنجاز الأدبي الشاعري القيم