“الزمن الجميل”… هل كان جميلاً حقًا؟ (13)
حين يخاف الباب العالي من مسلسل تاريخي…
(الدراما تقترب من الحقيقة… فتُلغى)
في أحد مواسم الإنتاج الدرامي خلال “الزمن الجميل”،
قرر أحد الكتّاب أن يكتب مسلسلًا تاريخيًا بدعمٍ من الوزارة، ومباركة التلفزيون.
ورحّب المخرج والممثلون، وتحمّس الجميع لأن العمل ضخم، والميزانية مفتوحة، والموضوع ملحمي.
المسلسل كان يدور حول شاب فقير من عامة الناس، يصعد إلى حاشية الملك في ماضٍ بعيد جدا، يشبه ما قبل التواريخ المألوفة، بفضل دهائه أولًا، ثم… بعلاقة حب مع ابنة الملك.
كل شيء كان يسير بسلاسة، وتم تنفيذ نحو ثلث الحلقات، والديكورات شُيّدت، والكلفة ارتفعت، حتى جاء البلاغ…
–العمل يسيء إلى الباب العالي…!!
التهمة جاءت من جهة “منافسة” للوزير، أو قل: جهة تترقب الزلات لتصطاد الوزراء بالنوايا.
قالوا إن المسلسل يُسقط رمزيًا على الواقع، وأن قصة الشاب الفقير الذي تزوّج أميرة وصعد في السلطة، تشبه – إلى درجة مزعجة – ما حدث في أسرة الباب العالي نفسه.
فقد كان هناك بالفعل ضابط بسيط، ارتبط عاطفيًا بابنة الحاكم، وتحوّل بعدها إلى رجل نافذ… بشكل جعل الناس يهمسون:
-هل كتب الكاتب هذه القصة تلميحًا؟!
– التحقيق: من يُشبه من؟
بدأت التحقيقات، استُدعيت لجنة القراءة، وسئلت:
ــ من أوحى لكم بالفكرة؟
ــ لماذا جعل الكاتب (الراحل) البطل فقيرًا؟
ــ كيف لم تروا أن الكاتب يقصد شيئًا آخر؟
ــ هل قرأتم دون أن تروا الضابط فلانا؟
ــ هل يخفي النص رسالة؟
ــ من دفعكم للموافقة على هذا المسلسل؟
والأغرب أن الأسئلة كانت لا تتعلق بالحبكة الفنية، بل بالمقارنة السياسية.
– القرار: إيقاف العمل… ومحو الأثر:
جاء القرار سريعًا: “توقيف المسلسل فورًا.”
ولم يُذكر السبب في الإعلام،
لكن في أروقة التلفزيون، قيل إن بعض اللقطات تم مسحها،
وأن الأشرطة أُحرقت أو “فُقدت” من الأرشيف.
ولم يُكمل أحد من العاملين الحديث بعدها.
الممثلون صمتوا، القضية اختفت مؤقتًا،
والمخرج عاد لإخراج مسلسل آخر.
– لماذا يخافون من الخيال؟
لأن في البلاد التي تُدار بالتوجيه السياسي، الخيال هو أخطر الأسلحة.
والمسلسل التاريخي ليس مجرد دراما… بل قد يصبح مرآة خفية تقرأ منها السلطة مصيرها.
وفي “الزمن الجميل”، لم تكن الرقابة تكتفي بحذف الجملة، بل كانت تحذف العمل من جذوره، وتقتلع أثره من ذاكرة التلفزيون.
– خاتمة:
ربما لو لم تُسرب الجهة المعادية “لغز” المضمون،
لاستكمل المسلسل، ولأصبح من الأعمال الملحمية التي تُخلَّد.
لكنه اقترب من الحقيقة أكثر مما ينبغي.
وفي “الزمن الجميل”، الحقيقة خطيئة…
حتى لو قُدمت بملابس تاريخية موغلة في القدم،
وحتى لو كانت على لسان رجل فقير…يحب الأميرة.
