هنري زغيب* يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت)
ما زال جبران خليل جبران يولد كلَّ يوم في خبر جديد، في طبعة جديدة لكتُبه، في ترجمة جديدة لأَحد مؤَلَّفاته الإِنكليزية، كأَنه يوم 10 نيسان/أَبريل 1931 مات ليولَدَ بعده كلَّ يوم
أَحدث “ولاداته”: حديثٌ صحافيٌّ (على قلَّة أَحاديثه للصحافة) أَدلى به قبل 95 سنة للصحافية الأَميركية غلاديس بايكر (1900-1957) نَشَرَتْهُ في جريدة “بِرمِنْغهام نيوز” نهار الأَحد 11 كانون الأَول/ديسمبر 1927
الحوار وَجَدَهُ الباحث الإِيطالي الجبراني المدقِّق فرنتشسكو ميديتشي (Francesco Medici)، ونشَرَه في الموقع الجبراني الأَشهر “The Kahlil Gibran Collective” الذي يُشرف عليه في سيدني/أُوستراليا الباحثُ اللبناني الجبراني الآخَر “غْلِن كَلِمْ حبيب” (Glen KalemHabib)
محترف جبران حيث جرى اللقاء الصحافي
نظرًا لأَهمية الحَدَث، خصوصًا أَن جبران يكشف فيه كيف ولماذا وضع كتابه الخالد “النبي”، ونادرًا ما صدرَت عنه أَحاديث صحافية، أَنقُل لقرَّاء “أَسواق العرب” هذا الحوار على 3 حلقات، هنا حلقته الأُولى
باحثٌ وموقِع
في مقدمة نص “الموقع” أَن الباحث ميديتشي عثَرَ على هذا الحوار القديم في صحيفة محلية “برمنغهام نيوز” كانت تصدر في مدينة صغيرة )برمنغهام) من ولاية أَلاباما الأَميركية
عنوان المقال في الصحيفة: “خليل جبران، الشاعر والرسَّام السوري، يروي كيف ولماذا وضع كتابه “النبي”.”. طبعًا: كلمة “السوري” هنا تُؤْخذ في سياقها التاريخي حين كان اللبنانيون والسوريون فترتئذٍ يُنْسبون إِلى سوريا تلك الحقبة (وحتى كان البعض يسمِّيهم “توركو”)، بالرغم من إِعلان “دولة لبنان الكبير” قبلذاك بسنوات سبع (1920)، إِنما بقيت رواسبُ من تلك التسمية التي لم تكن “تُـلَـبْـنِـنُ” إِلَّا مَن كان عهدذاك من أَهل “جبل لبنان” سياقًا جغرافيًّا. إذًا لا علاقة لتلك التسمية بالهوية السورية الحالية
وجاء في مقدمة الحوار أَنه جرى في محترف جبران (كان رفاقه في “الرابطة القلمية” يسمونه “الصومعة”)، حي غرينِتْش (أَسفل مانهاتِن – مدينة نيويورك)، وأَن الصحافية وصفَت غرفة المحترف بما فيها من تفاصيل دقيقة ومعلَّقات على جدرانها
من أَقصى الجنوب إِلى قلب نيويورك
لا تفاصيل عن تلك المُحرِّرة سوى أَنها صحافية محترفة كانت لها صفحة أُسبوعية كلَّ نهار أَحد، تَنشُر تحقيقات وحوارات في تلك الصحيفة إِبان ثلاثينات القرن الماضي، إِلى أَن غادرَت الصحيفة سنة 1942
اللافت، في تلك الفترة، أَن تسافر من البعيد (رحلة طويلة في القطار) من ولاية آلاباما في أَقصى جنوب الولايات المتحدة كي تُجري حديثًا مع جبران في نيويورك
عنوان المقال (وسط الصفحة 19) على سطرين: “خليل جبران الشاعر والرسام السوري يروي كيف ولماذا كتب “النبي”.”
وتحتهُما بخطّ أَصغر: “المؤَلِّف الشرقيّ الوحيد الذي لا يَبحث عن كتُب يَقرأُها”، بقلم “غلاديس بايكر” (Gladys Baker)
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
كتابٌ نحيل وجليل
يبدأُ مقالُها بعبارة “الحياة جمال. فلْنَعِشْها بِــجمال”، ثم تعلّق المحرِّرة: “هكذا تكلَّم خليل جبران، الشاعر السوري والرسام، في محاولته اختصارَ الفلسفة التي قادَت قدَره، وخوَّلته أَن يضع كتابًا تمَّت ترجمتُه حتى اليوم إِلى 21 لغة عبر الكوكب، وقرأَه الملايين من الباحثين عن الحقيقة. هذا الكتاب هو “النبي”، وهو كتاب نحيل وجليل، يَعتبره النقَاد مساهمةً كبرى اليوم في العالم الميتافيزيقي”
“النبي” في طبعات مختلفة من دول مختلفة
ماذا رأَتْ في “صومعة” جبران؟
بعد هذه المقدمة القصيرة، تروي الصحافية زيارتها جبران هكذا: “. كان ذلك ذات نهارٍ عاصفٍ من مطلع ديسمبر/كانون الأَول. ومن طاقات الدرج الخشبي العتيق، عند منبسط كلِّ طبقة من الأَربع، كنتُ أَرى الثلج بدأَ يتساقط نُتَفًا، ويضرب زجاج الطاقة كما قطرات مطر. لكن صوتًا شرقيًأ دافئًا، في الطبقة الرابعة، استقبلني وأَنا أَدخل غرفةً عريضة يتصاعد منها نفحُ حب غنيٍّ بالجمال واللون. على جدارٍ رفٌ بشكل مذبح عليه ثياب كنسية كأَنما لبِسَها يومًا كاردينال كاثوليكي. على جدار آخر يتدلّى مِن علٍ بساط مصري قديم من القرن الثاني عشر. في الجدار المقابل منحوتات إِيطالية خشبية صغيرة ورفوفٌ صُفَّت عليها كتُب من جميع الأُمم. وتتبعثر في الغرفة قطَعٌ نحاسية ترسل انعكاسات وهجها أَشعةً على الظلال في زوايا الغرفة. يشعر الداخل أَنه بين أَشخاص مشهورين في لوحات وضعها الرسام لوجوههم، بينها لوحات عُراةٍ في أُسلوبٍ روحاني أَثيري من الحب النقيّ. مررتُ بعينَيَّ عند بضعة كتب مكدَّسة على الطاولة أَمامي، عليها إِهداءَات من مؤَلفيها أَصدقاء الرسام بكلماتِ تقديرٍ نحوه من بلدان عدة في لغات عدة. وفي زاوية نائية من الغرفة عوالمُ جبران، معظمُها في لغته الأُم. ويمكنني القول إِن هذا الشاعر الشرقي هو المؤَلف الوحيد الذي لا يَبحث عن كتُبٍ يقرأُها لأَنه يتلقَّاها من مؤَلفيها محبِّيه والمعجبين به في طبعاتها الأُولى فور صدورها
بعد هذه المقدمة، كان حوارُها مع جبران
ماذا جاء فيه؟ هذا ما سأَكشفه في الجزء الثاني من هذا المقال
هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت)
تعليقات 2