عبدالوهاب بيراني /سوريا
أرواح طباشيرية
مريم التي لم تشهد إلا ربيعا يتيماً منذ ان أعلنت عويلها الأول قبل عشرة أعوام، جاءت إلى العالم في ربيع شاق دعوه ربيعاً عربياً
لم تكن مدرستها بعيدة كثيراً عن البيت، تتناوب بيوت صديقاتها على جانبي الشارع، كانت تكتب أسماءهن بالطباشير الملون على الجدران في طريق عودتها للبيت شذى، مريم، شيرين، روان، فاطمة، وتمنح لكل أسم لوناً مختلفاً، تصنع ربيعها الخاص
كانت قطع الطباشير في المدرسة تغريها بألوانها الجميلة، تلم القطع الصغيرة منها وتحفظها في حقيبتها
تفحصت كومة الطباشير وقالت في نفسها: سارسم فاطمة
سأرسمها بقدم واحدة.. لا.. لا.. بل سأرسم قدماً جديدة لها، ورسمت صورة قدم
ومضت وهي تراقب مشيتها، ثم انطلقت راكضة نحو البيت
وفي المساء كان عليها ان تكتب واجبها المدرسي عن الآباء، لم تفارقها صورة فاطمة وهي تسير بقدم واحدة، فالحرب اللعينة قضمت رجلها، تلك الحرب التي لم تشبع من اللحم الطري
رمقت المدفأة الباردة، ونفخت بيديها الباردتين، وكتبت
“والدي كان قناصا، والقناص رجل حرب يقتل بدم بارد، كان له عينا ذئب مفترس، هكذا أخبرتني أمي، وكانت له عين أب رحيم حينما يحتضني في أيام اجازته القصيرة، كان يؤلمه أن يرى في صباحات الأعياد منظر ذبح القرابين، كان لونه المفضل الأخضر والأزرق، كان يحب الحقول، ويحب البحر
فاضت روحه بطلقة قناص آخر، وفاضت عيناي بالدمع “
الحرب أكملت فصول الرواية
التي لم تستطع أصابع الطباشير ان تكملها
وما زلت” مريم” ترسم أصابع وأقدام وترسم صور آباء لم يعودوا من ساحات الحرب
سوريا/ قامشلي
2/2/2023