أ. زينب جفّال
عين قناص وفتاة على الحائط
كنت تلك الفتاة ذات الظفائر الشقراء، تمشط أمي كل صباح شعري وهي تنبهني أن لا أقف أمام الحاجز وإن شاهدت أي عبور للمسلحين أركض واختبىء وراء السواتر الاسمنتية، الّتي سُجلت عليها عبارت ملطخة بالدّم المنثور هنا وهناك، ولكن الذي لا تعرفه أمي؛ سأخبركم به
كنا نجتمع أنا وجورج وأحمد وعلي وكريس كل صباح وجيوبنا مدججة باكياس فارغة، نكتب عبارات مبعثرة، وبعض الاشارات كي لا نضل طريقنا، هنا خطّ النّار، هنا الخطّ الفاصل بين الشرقية والغربية، على أعلى ذاك السطح يوجد قناص لم تفشل عينه بضربة أبدًا، وهناك على ذاك المبنى الأخضر قناص مبتدئ لطالما أخطىء هدفه وخاصة أثناء مرورنا ونحن نجمع الرصاص الفارغ ونصعه بأكياسنا ونكتب على كل رصاصة من نصيب من كانت، ايزو الخياطة، أو ابو علي النجار، أومروان السكران، ونشهود على موتهم
ما لا تعرفه أمي أننا اتفقنا أن لا فرق بيننا ولا لأي دين،نحن أخوة من وطن واحد وحي واحد وعلم واحد، كنا عندما نعود تكون الأكياس الفارغة مدججة بالرصاص الذي جمعناه ونذهب لنحفر حفرة ونطمر غلة اليوم، وفي اخر النهار نتفق على كتمان الاسرار، إلى أن جاء يوم أسود وكتبت فتاة على حائط منزلي شيعية في منطقة الشرقية، فتحول القنّاص الى وحش ضاري وافترس شبابيك منزلنا وحجاب أمي التي كانت تضعه على رأسها بعد أن أسلمت، لم نعرف كيف أصبحنا في السيارة بعد أن طلب منا أبي أن نحمل الأشياء المهمة معنا لتنطلق السيارة ونجد عيوننا مسمّرة أمام القنّاص على ذاك المبنى الأخضر، صرخ بنا أبي أن نخفض رأسنا وبقيت ظفائري الشقراء مرتفعة تتلوى في الهواء من شدة سرعة أبي، وهو يصرخ ويصرخ بأن أخفض راسي وانا أجيبه بأنّ هذا القناص لن يصيبنا ولكن يجب أن تخاف من ذاك القناص الذي لا يخطىء ابدًا، وما هي إلا لحظات حتى أصبحنا بأمان بعد أن عبرنا الخط الفاصل، بقينا فترة من الوقت ومن ثم غادرنا الوطن، نبحث عن الأمان والاسلام ونبحث عن أعمارنا التى ضُرجت بالدماء، وعيوننا التي أنهكها لون القتل والدم كل يوم عن هويتنا،وطننا نبحث
وبعد عشر سنوات عدنا إلى منزلنا، عدنا إلى أشلاء منزل،وشبه المنزل، لم يبق منه شيء لا حيطان ولا أبواب وبعضها مثقوب
ذهبت لأبحث وألملم ذكرياتي فوجدت الكنز
الرصاصات ما زالت في مكانها
الكنز بقي مكانه، والجميع مات، برصاص قناص