جورج عازار السويد -ستوكهولم
كانت الأرغفة الساخنة تلفع راحتيها الصغيرتين وهي عائدة من مخبز الحي حاولت أن تُنقِّل الأرغفة من يدٍ إلى أخرى علّها تحظى بفترةٍ من الراحة، ولكن بلا جدوى كان البخار الحار المتصاعد من الخبز مازال ساخناً وهو يحرق راحتيها، وعندما يئست هداها تفكيرها إلى أن تخلع معطفها وتحمل الأرغفة فوقه فحلت المشكلة، ولكنَّ البرد بدأ يتسلل إلى جسدها الغضِّ رويداً رويداً
نظرت إلى القروش القليلة التي تبقت بعد دفع ثمن الخبز، ثم دخلت إلى دكان الحي ونقدته تلك القروش وهمست أريد لوحاً من الطباشير أعطاها ما طلبت فمضت إلى الجدار المقابل رسمت شكل رجل وكتبت بجانبه بابا، ثم بدأت تكتب حرف الألف ثم تتالت الحروف انّي اخترتك
سمعت أصوات طلقات في الجوار، ولكن لم تعد منذ زمن بعيد تكترث لتلك الأصوات، فبعد خمس سنوات من الحرب اعتادت أزيز الرصاص، واستنشقت رائحة البارود وحتى ملامح الموت خبرتها عندما سقط أبيها قتيلاً قبل ثلاث سنوات، وحينها نظرت إلى عينينه الجامدتين، وعرفت أنَّ الموت هو مجرد اختيارٌ للصمت ليس إلا
سمعت جلبة خلفها كان بعض الجنود في حالةٍ هستيريةٍ قال أحدهم لزميله: احذر إنَّهُ هناك مختبئ ٌخلف النافذة انتبه، ثم مرت رصاصة بينهما فانبطحا تحت السَّاتر الترابي
تابعت فرح الكتابة يا وطن وكانت تهم باستكمال الجملة بحرف الياء لأنها تعرف أنَّ الحكاية تبدأ دوماً من الألف وتنتهي حتماً بحرف الياء، وبين الألف والياء تموت كلّ الأشياء وتحيا
تعالى صوت الرصاصة التي سمعتها وهي تخترق ظهرها وتطيح بقطعة الطباشير من بين أصابعها خرَّت على ركبتيها، كانت تتألم بشدة، ولكنها أرادت رسم الحرف المتبقي حاولت أن تزحف نحو الطباشير لتجلبه فلم تتمكن من ذلك، كانت قطرات غزيرة قد أخذت تتجمع على الرصيف غمست سبابتها في إحدى قطرات الدَّم وكتبت حرف الياء ثم تكوَّمت فوق الرصيف
تحررت أرغفة الخبز من معطفها وهي تهوي أرضاً وتَعَمَّدتْ بلون بالدم وأخذت تدفئ جسدها البارد من جديد