فكرة أن نكتب عن ناقدين جدد ، والإبتعاد عن استخراج شخصيات من كتب التاريخ ، أو تاريخ الأدب ، نسلط الضوء في هذه المقالة على استاذة النقد الأدبي اللبنانية ، ” الدكتورة دورين سعد ” ..
” الدكتورة دورين نصر سعد ” ؛ أديبة ، شاعرة ، وناقدة لبنانية ، صوت نسوي وفكري في عالم اللغة والهوية الادبية والفكرية .
تُعدّ ” الدكتورة دورين نصر سعد ” واحدة من الشخصيات الأدبية والفكرية اللبنانية التي جمعت بين اللغة الشعرية ووعي الباحث الأدبي ، فاتخذت اللغة كوسيلة وطابع جديد في السؤال والتأمل ، ووقفت عند مفاصل دقيقة بين جماليات النص والفكر النقدي ، فهي باحثة وناقدة لغة وأدب معاصر ، تهتم بقضايا اللغة العربية الفصيحة ، ولها رأي في العلاقة بين اللغة والأنثى ، وكيف تعكس اللغةُ البنيةَ الثقافية للمجتمع العربي وتُعيد إنتاجها.
انطلقت ” الدكتورة دورين ” من وعيٍ عميقٍ بدور الكلمة في تشكيل الوعي الجمعي ، فحاولت أن تجعل من الكتابة النقدية مساحةً للتساؤل والحرية ، ومن الشعر فسحةً للتأمل في الذات والبيئة المحيطة ، تكتب بلغةٍ عميقة ، مشبعةٍ بالمعاني والرموز ، تلتقي فيها العاطفة بالتفكير ، وتجعل من النصّ مختبرًا للفلسفة من حيث المعنى ، فهي تفكك النص وتعيد صياغته بعمق ومعرفة ووعي .
في الحوارات والمقالات النقدية ، تطرح ” الدكتورة دورين سعد ” باسلوب فكري جريء ، يلامس الأسئلة الحساسة حول اللغة العربية وبنيتها الذكورية ، فقد تناولت في أكثر من حوار منشور عبر محافل ثقافية ، إشكالية السؤال الشائك: «هل اللغة العربية متحيزة ضدّ المرأة؟» ، حيث ترى ” الدكتورة سعد ” أن هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه من منظور لغوي منفرد ، بل يجب قراءته في ضوء الموروث الثقافي والاجتماعي الذي أثر في اللغة ونسقها الرمزي ، وهي ترى ان هناك فرق بين التحيّز القواعدي والتحيّز الثقافي ، وترى أن اللغة لا تظلم أحدًا بطبيعتها ، لكنها قد تُصبح مرآةً لمجتمعٍ ذكوري لا يرى المرأة إلّا في مواضع ضيقة في هذا المجتمع ، بهذا المعنى تقف ” سعد ” عند تقاطع الفكر النقدي والوعي النسوي ، لكنها تتجنّب طرح هذا الموضوع بصخب ، إنما برؤية تحليلية هادئة تنبع من العمق المعرفي غير الإنفعالي .
« تذهلني تلك العصافير التي استفاقت وما زالت تغلق عيونها »
إلى جانب دورها في النقد الأدبي عرفت ” الدكتورة دورين سعد ” في المحافل الثقافية والأدبية كشاعرة تكتب من تجربتها الإنسانية ، وتتصف كتاباتها بالوعي والعمق ، وترى ان الكتابة علاجاً لخمول العقل ، وقصائدها ونصوصها النثرية المنشورة تكشف عن صوتٍ أنثويٍّ ناضج يرتكز على لغةٍ شفافةٍ ومتماسكةٍ ، ويغوص في مناطق الصمت ، الحب ، والفقد ، كما في نصها : “حين كتبت…” ، الذي يظهر فيه التوازن بين الانكسار التمرد ، بين التأمل والبوح ، وفي أعمالها هناك ملامح مشروعٍ شعري يؤمن بأن اللغة بيت الروح ، وأن القصيدة ليست فعلًا جمالياً وحسب ، بل موقف إنساني يحتاج إلى وقفة وتأمل .
وفي النقد الأدبي تُعنى ” الدكتورة سعد ” بتحليل النصوص الحديثة وتفكيكها من منظور لغوي وجمالي معًا ، وظهر ذلك جليا في دراستها التي قدمتها عن قصيدة النثر ، التي تناولت فيها تجربة الكاتب الكبير ( محمد الماغوط) ، بوصفها نموذجًا لتحرّر اللغة العربية من محددات الوزن والإيقاع نحو فضاءات التجريب والدلالة الجديدة ، حيث ترى أن قصيدة النثر ليست تمرّدًا لغويًا فقط ، بل ثورة معرفية على مفاهيم الإيقاع والبلاغة القديمة ، ومحاولة لإعادة تعريف الشعر في ضوء المشاعر الإنسانية وليس من خلال الشكل فقط .
« لا أبحث عن قصة حبّ تتماوج فوق الأوراق ويضمّها كتاب .. لا أبحث عن حروف تبقى ذكرى للتاريخ .. فَأنا في طبيعتي أبتعد عن الذكريات ، لا أريدها أن تنضج على شرفة أو في عبارة .. »
أما في مجال الفكر الإنساني يمكن القول إن دور ” الدكتورة دورين سعد ” الفكري ينطلق من الإيمانٍ بأن تحرير اللغة هو مدخل لتحرير الفكر ، وأن الإصلاح الثقافي يبدأ من إعادة مناقشة الأنساق الأدبية التي رسمها النقاد العرب في الأدب العربي ، وترى ” الدكتورة دورين ” أن اللغة العربية ، على الرغم عظمتها وغناها ، تحتاج اليوم إلى قراءةٍ جديدة تُنقذها من الجمود وتعيد إليها بعدها الإنساني الرحب بعيدًا عن محددات القواعد وحدها .
ما يميز ” الدكتورة سعد ” انها من الشخصيات الفكرية القليلة التي توازن بين الأنوثة من وجهة نظر معرفية وصلابة الفكر من جهة أخرى ، وبين الشعر كمساحة تعبير ادبي والنقد كمساحة وعي معرفي .
«امرأةٌ بمذاق البنفسج دحرجت الحجر ومضت ، سقط من عينيها رذاذ على غفلة من القدر ، رمت معطفها وعبرت بعد أن رمقت ذاك الأفق بحذر ، في قبضتها حروف سقطت سهوًا من الأبجدية .. »
” الدكتورة دورين ” شاركت في العديد من الندوات والحلقات الحوارية في لبنان موطنها الأصل والعالم العربي ، وأسهمت في قراءة أعمال شعراء معاصرين مثل ” عاطف الدرابسة ” في دراسات نقدية منشورة ، كما كتبت في مواقع عربية تُعنى بالأدب والفكر مثل ميزان الزمان وأخبار المرأة ، ومجلة الغرفة 19 ، ويحظى حضورها دوماً بالاحترام في الأوساط الأدبية بوصفها كاتبة مثقفة تجمع بين الرؤية الأكاديمية والحس الإنساني في مقاربة القضايا الفكرية ، خاصة تلك المتصلة بالمرأة واللغة والهوية الثقافية .
تمثل ” الدكتورة دورين سعد ” نموذجاً للمرأة العربية المثقفة التي تقف على توازن بين الوعي الجمالي والفكر النقدي ، مطيتها اللغة بوصفها فضاءً للحرية لا للجمود ، وهي شاعرة تمتلك نبرة خاصة تنبع من تجربة حياتية فاعلة ، وناقدة تمتلك قدرة على دراسة الجمال بوعيٍ فلسفي دقيق في زمنٍ تتداخل فيه الأصوات ولأفكار وتغيب فيه الرؤى ، تبقى الدكتورة ” سعد ” واحدة من النماذج التي تؤمن أن الكلمة لا تكتمل إلّا حين تُلامس الحقيقة ، وأن الأدب ليس نصاً جميلً فقط ، بل جوهر الوجود الإنساني نفسه .
« لم تكن لحظة الكتابة مجانية ، وضّبت فيها كلّ السّنوات السّابقة ، ورحلت… » ، من قراءة نقدية لقصيدة : « رمل الذاكرة »

( عماد عواودة ، ابو حازم
الخميس ٣٠ اكتوبر ٢٠٢٥ ، قميم / الاردن )