د. جوزاف ياغي الجميل
دور المثقف الحقيقي
(مهداة إلى الأديبة إخلاص فرنسيس بمناسبة حلقة غرفة ١٩، وتحيّة من القلب إليها، وإلى الضيفَين الغاليَين الشاعرة الدكتورة يسرى البيطار والأديب والإعلامي المثقف جدّاً الصديق حبيب يونس
الثقافة لم تكن يومًا شهادة تُعلّق على جدران البيت، أو قنديلاً نملأه بالزيت
هي العمر الهارب من كنف دفتر أو كتاب
هي الموعد المسكون بالحب، بين رصاصة حبر وغربة اكتئاب
الثقافة هي الحياة، بحلوها والمرّ. أن تحسن السلوك فأنت مثقف ولو كنت لا تجيد فك الحرف، أو ترمي بنفسك من فوق الجرف
الثقافة هي الأخلاق، من دونها تزول الأمم والشعوب
والمثقف الحقيقي من يجيد التواصل مع الآخر، بغير عنجهية أو عصبية
المثقف الحقيقي مَنْ يبني الجسور مع ماضيه، ليصل إلى مستقبل واضح المعالم والأهداف
المثقف الحقيقي من لا يتنكر لتراثه متهافتا على أطلال الآخرين المتهاوية
وحين يناديه الوطن، يلبي النداء. لا عصبية رعناء تحجّمه، أو طائفية بغيضة تقزّمه
أما دور المثقف فهو دور نبيّ مصلح. دورُ قياديٍّ يسير بشعبه إلى واحات الحق والأنوار
والدور النبوي لا يعني الغرور والتشاوف وازدراء الآخرين
ونتساءل: هل في أمتنا العربية مثقفون، بالمعنى الرياديّ القياديّ للثقافة؟
والجواب نعم…ولكن
نعم في أمتنا العربية، من المحيط إلى الخليج، مثقفون وقادة فكر نفخر بهم، إلى أقصى درجات الفخر. ولكنهم لا يقومون بالدور المطلوب منهم. يتراجعون إلى الصفوف الخلفية، ويتقدّم الدخلاء الطارئون على الفكر والثقافة
في بلادي مثقفون، ولكنّ الفساد المستشري يصيبهم بالإحباط والقنوط، والمادّيّة المتوحّشة تمنعهم من ارتقاء المراتب التي تليق بأهل الإبداع
في مجتمعاتنا العربية مثقفون يتنازلون عن حقوقهم رهبة أو رغبة، ولا يجرؤون. ويُخلون الساحات لمدّعي الثقافة الطارئين على الحرف العابثين فسادا بالفكر، في مختلف اتجاهاته وقضاياه
حرب شعواء تُشنّ على المثقّف في بلادي، تقودها وسائل التواصل اللا اجتماعي، والمنابر الإعلامية الجشعة تزلُّفًا أو خنوعًا وخضوعًا لأهل السلطة وحيتان المال
فيا صديقي المثقف النبيّ الأبيّ، رذلك البناؤون فكنْ حجر الزاوية، بل الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات والأوطان
كن أنت ولا تساوم. باليد، باللسان، بالفكر، قاوم. ولا تخف. فالمثقف الحقيقي مشروع شهيد. وقد صدق أمير الشعراء حين قال
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدقّ
والصحيح أن نقول بكل يد مثقفة، لأن الثقافة شهادة وشهادة. وكم تَساوى مداد العلماء بدم الشهداء
أما الشهادة الكبرى فرائدها الصدق مع الذات، في النقد، أولا، وأخيرا، لأن الناقد الحقيقيّ الصادق هو أساس كل ثقافة، وينبوع كل إبداع، وإلا صحّ فيه قول الشاعر
إن كان رب البيت بالدفّ مولعا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
فحذار حذار أن ندع الثقافة، في أمتنا العربية، ترقص مذبوحة من الألم. ولا ينفع الندم بعد فوات الأوان