كثيرة هي الأفلام التي تندرج موضوعاتها في خانة السِّير الذاتية للشخصيات التي يجري تناولها، ونعني، بصورة خاصة، الشخصيات ذات المكانة التاريخية، وأشعر بأن هناك لبساً في وصف الأفلام التي تتناول هذه الشخصيات ب«أفلام سِيَر ذاتية»، لكونها في الأغلب الأعم لا تنطلق من سِيَر كتبها الأشخاص الذين يجري تناول محطات حيواتهم في تلك الأفلام، وإنما هي من وضع مؤلفين أو كتّاب سيناريو آخرين عن تلك الشخصيات.لكن، لا بأس، فلنأخذ بالوصف المستقر في النقد السينمائي، بوصف تلك الأفلام بأنها سيرة ذاتية، وهنا سيواجهنا السؤال الأصعب عن مقدار «الأمانة» في تقديم السينما لتفاصيل حياة ودور أي شخصية يجري تناولها، بمعنى إلى أي مدى يمكن القول إن فيلماً من الأفلام يتناول حياة شخصية ما يعكس بدقة طبيعة تلك الشخصية والملابسات التاريخية التي أحاطت بالدور الذي أدّته؟.
وضعنا مفردة «الأمانة» بين مزدوجين انطلاقاً من السؤال حول ما إذا كان على الأدب والفن، وفي مقدمتهما السينما أن يقدّم الشخصية كما كانت في الواقع، أو يعيد بناءها وفق رؤية الكاتب والمخرج؟ أي أن ما نراه على الشاشة تلك الشخصية كما بدت في مرآتيهما، وليس، بالضرورة، كما كانت في الواقع، حتى لو أظهر الفيلم جوانب دقيقة، بالمعنى الحرفي للمفردة، من تلك الشخصية وحياتها.
ويصدّر الناقد علاء المفرجي كتابه «أفلام السيرة الذاتية» بعبارة لخورخي لويس بورخيس تقول: إن كلمة «سينما» هي أفضل من كلمة «سيرة». الأخيرة، تعني (ترجمة حياة شخص)، أما السابقة فتشير إلى الحركة. والفكرتان، رغم أنهما جدلياً قابلتان لاختصار المعنى نفسه، فإنهما تستخدمان في توجهات مختلفة، وهو اختلاف يخوّلني التفريق بينهما وإرجاع أحد معانيهما إلى «السينما» والآخر إلى «السيرة».
عبارة مفتاحية بالفعل لمضمون الكتاب الذي حوى مجموعة من المقالات، تناولت الشخصيات التاريخية في أفلام السيرة الذاتية، بما في ذلك العربية منها، ومتوقفاً أمام مصدر الجاذبية التي يشعر بها المشاهد تجاه هذا النوع من الأفلام التي تخلق لديه الفضول لمشاهدتها، لرؤية التاريخ كما يبدو لنا في الحاضر، فإذا كانت مشاهدة السينما متعة، فإن متعة أخرى تضاهيها في التعرف إلى تلك الشخصيات التي “ملأت الدنيا وشغلت الناس”، فيما هي تنام «ملء جفونها عن شواردها/ ويسهرُ الخلق جرّاها ويختصمُ»، كما قال المتنبي.
ويقدّم الكتاب، إلى ذلك، نماذج من هذه الأفلام التي تناولت شخصيات مثل: مانديلا، فيرجينيا وولف، نيرودا، وغيرهم.