ميشا ابي عاد
في طريق العودة من حفل تخرّجها وكانت قد دعت صديقها الوحيد آنذاك، رجل أحلامها السرّيّ لمرافقتها، نعم هو رجلٌ بكلّ ما للكلمة من معنى وهي ما زالت طفلةً تستهويها ألوان الربيع وتشتّت أفكارها فراشةٌ ترفرف بجناحيها دون هدىً وتعيش أحلام اليقظة في وضح النهار، لفت انتباهها من بين أهدابها المسدلة شبه المغلقة من شدّة السهر وهي المعتادة على النوم قبل غروب الشمس، أنّ صديقها المزعوم غيّر مساره فسألته بصوتٍ ناعسٍ غير قلقٍ وهي تتثاءب ملء فمها : إلى أين نذهب؟ فقال بصوته الواثق الحنون : نزهة صغيرة على شاطئ البحر، نشتمّ الهواء العذب، نزيل تعب السهرة الصاخبة ونعود أدراجنا
وعلى أنغام تلك المغنّية التي يتشارك الاثنان تقدير فنّها في زمنٍ صار الفنّ يخجل من نفسه، بدأت تتدافع الأفكار إلى رأسها وتتسارع معها نبضات قلبها لدرجة أنّها خافت أن تصل إلى مسمع شريكها لهذه الليلة، تحلم بالسير معه على رملٍ رطبٍ غير عابئٍ إن إثر الندى أم جرّاء الموج الذي يداعب الشاطئ من وقتٍ لآخر، تتخيّل أحاديث تارةً ناعمةً بريئةً حنونة وطوراً مغريةً جريئةً مجنونة، ترسم صورةً لطفلةٍ تركض وصوت ضحكاتها يشقّ سكون الليل وتتعثّر فجأةً فيحاول صديقها الإمساك بها فتلقي بكلتي يديها على عنقه ويقعان سويّاً على الرمال كما لو على فراشٍ من حريرٍ، وتضيع نظراتهما ويتلامس جسداهما تحت ضوء القمر الخجول، وتلتقي شفاههما بقبلةٍ هي الأولى، وما أجمل الشعور بملوحة نسيم البحر بين شفاه الحبيب
ثمّ ودون سابق إنذار، يعود فارس أحلامها أدراجه فتسأله عن السبب فيجيب بتردّدٍ واضحٍ : لقد لاحظت تأخّر الوقت وغداً يومٌ طويلٌ يا طفلتي والأطفال مثلك لا يجب أن يطيلوا السهر حتّى هذه الساعة المتأخّرة، لقد اجتزت محنة ذئب ليلى الذي يأتي في أولى ساعات المغيب، لكن تكثر الذئاب في هذا الوقت من الليل، وبخاصّةٍ عندما يكتمل القمر
فتدّعي ببراءةٍ مبالغٌ بها ربّما أنّها تستمتع بقصّته وهي في قرارة نفسها تدرك أنّ داخل حبيبها ذئباً مسجوناً لن يسمح يوماً أن يظهر نفسه لها هي طفلته الطاهرة، هي زنبقته النديّة، فتشكر ربّها رغم خيبتها القاتلة وتلقي برأسها على المقعد وتستسلم للنوم وهي على يقينٍ أنّها في أيدٍ أمينةٍ وتعلم أنّها مقابل خيبتها قد وفّرت لنفسها الشعور بالخجل عندما تصحو في الصباح ويكون مفعول الكحول التي احتستها بغير إسرافٍ وللمرّة الأولى في حياتها قد زال من عروقها