الانسان الطيب وعاشق لغة القرآن الكريم صاحب الحب والحرية والحكمة
لقائي الوحيد معه في بيته ببيروت 26 نيسان / ابريل 2016.
رحل قبل يومين فقط شاعر لبنان الكبير جورج حنا شكور (1935 – 3 سبتمبر/ ايلول 2024)، وقد قطن بيروت منذ زمان بعد ان جاء من بلدة “شيخان” التابعة لمدينة جبيل . كان قد ولد فيها وتربى في بيت قديم ملاصق لكنيسة قديمة تعلم فيها التعاليم المسيحية ولكنه تشبّع من جانب آخر بالقيم والمواريث الاسلامية وعشق اللغة العربية واعجب بكتاب ” نهج البلاغة ” وقرأ القرآن الكريم وورث نزعة الشعر وموهبته عن أمه التي كتبت الشعر .. وكان حريصا أن يصقل لغته ويعشق الادب ويحفظ الشعر ، وحصل على الليسانس في الأدب العربي، واشتغل في التدريس، فتربّت على يديه اجيالا ، واختير رئيساً لدائرة اللغة العربية في كلية الشرق الأوسط في لبنان، ثم انتخب أمينا عاماً مساعدا لاتحاد الأدباء والكتاب اللبنانيين، ونشر قصائده ومقالاته في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية، وكانت له امسياته الشعرية، وحضرت احداها ، كما أسّس نادياً ثقافياً في قريته شيخان. وكان طيب العلاقة مع الادباء والمثقفين .. وبالاخص الشعراء
كنت اسمع به واقرأ له من حين الى آخر حتى توفرت الفرصة ان التقي به بدلالة الصديقة العزيزة الدكتورة ليندا غدار وهي واسطة عقد الاصدقاء المثقفين في بيروت .. وقد أخذتني معها الى داره اثناء وجودي في بيروت مساء يوم 26 نيسان / ابريل 2016 ، فاستقبلني على الرحب والسعة وكان برفقة زوجته وقضيت معه أكثر من ساعتين ، وكان لي معه أجمل حوار رائع بمشاركة الدكتورة ليندا، وقد وجدته انساناً متألقاً بمحبته للناس ، ويعشق العربية عشقاً لا يبارى ، وقد تعلّم الكثير من القرآن الكريم وجلس يسحرنا باعجازها الذي لا تجاريها أيّة لغة اخرى بتطوّرها وبحرها العميق ومحيطها الواسع .. وحكى لنا عن لقاءاته وصداقته العميقة مع الشعراء : سعيد عقل وعمر ابو ريشة والاخطل الصغير ونزار قباني وأمين نخلة واخبرني بقصة جورج جرداق و”هذه ليلتي” وكيف نظمها .. كما شرح لي حالة احمد الصافي النجفي في لبنان . وتحّدث طويلا عن الجواهري وعن العراق ، وهو ” منبت الشعراء ” – كما أسماه – الذي ازدحم بالشعراء والعلماء منذ أزمنة غابرة .. التفت الّي وقال : سمعت انك تعشق لبنان منذ طفولتك . قلت له : بلى أعشقه لجماله وطبيعته وقوة موقعه في شرق المتوسط مع روعة أهله وتمدنهم والوان فضاءاته في نهاراته ولياليه مع سحر مبدعيه من المثقفين والكتّاب والشعراء والفنانين ..
وجدت جورج شكور انساناً كبيراً يعتزّ بعروبته وملتصق ببيروت والساحل والجبل وبكلّ شبر من لبنان .. يحترم مشاعر الآخرين ويقدّر ذوي المواقف الصلبة والمبادئ الأصيلة، مرهف الاحاسيس يؤمن بالمحبة والحرية والحكمة .. له خياله الجامح يعشق الشعر عشقا عميقا وعاطفته متوقدة .. أهداني “ملحمة الرسول” التي كتبها شعراً بروحٍ سامية ومرهفة وصادقة ، مصوّراً ايّاها تصويراً رائعاً .. سألني باهتمام كبير عن أعمالي القادمة ، وقال تابعت منذ ربع قرن مضى مقالاتك في صحيفتي النهار والسفير البيروتيتين ، وكذلك بعض دراساتك التي نشرتها في مجلتي ” المستقبل العربي ” و ” الفكر العربي” . توادعنا على أمل أن اراه ثانية .. ولكن لم يبق القدر لنا فرصة ثانية ، اذ رحل جورج شكّور رحلته النهائية .
كنت محظوظاً أن التقي بهذا الشاعر اللبناني الوفي وهو يشاركني – كما قال – سماع صوت وديع الصافي بقوته التي لا يمتلكها غيره .. انّ أهم ما يبحث عنه جورج شكور في الحياة الزهور والجمال وقد سمّى أحد دواوينه ” زهرة الجماليا ” فضلاً عن نشره دواوين شعرية أخرى .. رحم الله الشاعر جورج شكور رحمة واسعة مع خالص التعازي لعائلته الكريمة ولكلّ اصدقائه الاوفياء في لبنان والعالم .. وخالص التقدير للدكتورة ليندا غدار التي كانت واسطة العقد بيني وبين الشاعر الراحل .. ستبقى ذكراه حيّة مع كلّ الاصدقاء في لبنان الجميل في القلوب .
تورنتو في 5 سبتمبر / ايلول 2024 .
نشرت يوم الخميس 5 ايلول / سبتمبر 2024 على الموقع الرسمي للدكتور سيّار الجميل .