أكتب إليك وفي القلب غصّة لملقاك، وفي العين دمعة لرؤياك، فنسيم الشّوق يلوح في أفق الوطن إن كنتم لا تتذكّرون.
يؤرّقني غيابك ويدعوني للتأمّل في ربوع الوطن وأحضانه الّتي تحنّ لعودتك سالمًا، لكي تنعم بدفء أحضانه وفيض محبّته وحنانه.
هل تتذكّر أيّام الطّفولة؟ تلك الأيّام الّتي جمعتنا معًا حيث كنّا نلتقي مرارًا وتكرارًا في ظلال أشجار المودّة، أشجار الصّداقة، تلك الّتي كانت تظلّلنا لنحيا معًا ونلهو معًا على مساحة وطنٍ تتّسع أذرعه لتضمّنا تحت جناحيْه، وكم كنّا نصحو معًا على تغاريد طيوره المرنّمة عند الصّباح وخريرمياه أنهاره الّتي كانت تعزف معزوفة الحبّ والسّلام، فنلعب نهارًا ونسهر ليلًا إلى أن تأخذنا نسائم الفجر حتّى ننام.
أخي المهاجر، عد إلينا واستبدل مشاعر الغربة والحنين تلك الّتي تشدّ أزرك للعمل حينًا وللتأمّل بمصاعب الحياة حينًا آخر، ولا تغب عن بالك ذكريات الأيّام الجميلة الّتي قضيناها معًا في ربوع وطن نستلذّ بالانتماء إليه، هذا الوطن النّازفة جراحه كأمٍّ غارقةٍ في آلامها تلملم جراحها وتترقّب عودة أبنائها إليها.
أخي المهاجر، كلّ ما في الوطن يناديك، فها هي أشجار الأرز الصّامدة فوق تلالنا ترنو إلى ديار الاغتراب، مفتقدة لكلّ من غاب، داعية أبناءها للاستظلال في أفيائها، تلك الأشجارالّتي تمتدّ جذورها في الأرض لتزيدها صلابة وصمودًا وخلودًا واستقرارًا. ولاأشكّ للحظةٍ بأنّ الوطن على امتداد مساحته عميق في قلوبكم كعمق جذور الأرز في ترابه.
أيّها المغتربون: أناديكم وأشدّ على أياديكم للعودة إلى وطنكم، عودوا إلى وطنكم الأمّ الّذي ينتظركم على أحرّ من الجمر.
عودوا، فشواطئ البحر تصدح أمواجها بمعزوفة الحنين إليكم، ورماله الذّهبيّة هيّأت لكم دفء أحضانها، أمّا مياه البحر فتحنّ لانعكاس صوركم على صفحتها كانعكاس بريق خيوط الشّمس السّاحرة.
فوطنكم، من فقش موجه حتّى أعالي قممه يستعدّ لاستقبالكم استقبال الكبار العظماء. عودوا إلينا لنحيي معًا ليالي الأنس والمودّة،ونحتفل بولادة يسوع المسيح عليه السّلام ، عودوا أيّها الإخوة فزيارة البابا باركت وطننا فشعرنا بدفء محبّته وفيض مودّته، وكأن بشائر السّلام قد حلّت ونجمة يسوع النّاصريّ رافقت خطى قداسته مبشّرة بنفحات سلام قادمة من أثير الغيب، أشعرتنا ببوادر الأمل الّتي نفتقدها، علّ ولادة المسيح هذا العام وقرع أجراس الكنائس ستحوّل الحلم إلى حقيقة فنستفيق على أمل لطالما تمنيناه ودفعنا له الصّلوات والنّذور.
عودودوا إلى ربوع الوطن، فأنتم الدّعامة الأساسيّة له إذا أرسيتم حياتكم على قاعدة إعادة إعماره والنّهوض به، إلى أعلى مراتب الرّقيّ والإنسانيّة.
ذرّات التّراب في أرض الوطن تهيم بكم داعيةً إيّاكم للعودة ، فلقد اشتاقت طرقاتنا لدوس أقدامكم، وكذلك مدننا اشتاقت لحضوركم الصّاخب،أمّا قرانا فتألقت بأثواب الماء والهواء والخضرة والوجه الحسن لتحتفي بعودتكم ، عودوا إليناعودة العائد المنتصر النّافض عنه تراب الغربة ليتدثّر بدثار الصّحّة والعافية والتّشافي من الغربة وآلامها.
لبنان يا إخوتي موئل السّحر والجمال، بيروتنا عروسة الشّرق نقطة التقاء الشّرق بالغرب وأيقونة الشّرق وأمّ الحرف، ومنبر الكلمة الحرّة، إنّها قلعة الصّمود والتّصدّي، إنّها قبلة الأنظار ومقصد السّياح، للتّنّعم بطبيعتها الخلّابة وبآثارها الّتي تنحني هامات التّاريخ لها إجلالًا واحترامًا ، إنّها ملتقى الحضارات والدّيانات السّماوية الّتي زادتها مبادرة قداسة البابا في” اللّقاء المسكوني والحواري بين الأديان ” بعدًا إنسانيًّا أخويًّا، جعلها تتألّق كرمز للتعّايش والمحبّة والإنسانيّة.
حريٌّ بكم يا إخوتي أن تعودوا فأنتم أولى بوطنكم وخيراته وحضن وطنكم أولى بكم من بقاع الاغتراب، عودوا إلى وطنكم وفجّروا مواهبكم على أرضه، واشبكوا أياديكم لتنهضوا به وباقتصاده، وارفعوا البنيان إحياءً لعراقة تراثه ولتشمخ راياتكم في سمائه، فهو أحقّ بكم وبقدراتكم وأنتم أحقّ به وبخيراته.
أخي المهاجر: أخاطبك خطاب القلب للقلب، وأدعوك دعوة الأخوّة والحبّ، لاتشتتوا طاقاتكم في ديار الاغتراب ، فالوطن أولى بكم، أحيوا مجد وطنكم التّليد بعلومكم وذكائكم، وأنعشوا أرضه بحضوركم ونعمة عطائكم ، حيثما نظرتم في وطني ثمّة من يدعوكم إليه، ها هنّ الأمّهات قد أحنت الغربة ظهورهنّ وألم الفراق أدمى قلوبهنّ، وماذا عساي أخبرك عن الآباء لقد تحجّرت مآقيهم وهم يتأمّلون وسائل النّقل وتشنفت آذانهم لأزيز الطّائرات العائدة من الغرية علّها تحمل فلذات أكبادهم.
هيّا عودوا إلينا لتعود الفرحة إلى الدّيار وبسمة السّعادة إلى الشّفاه، ولتجبروا خواطرالأهل فيكحّلون أعينهم برؤيتكم، وينعمون بما تبقّى من العمربظلال محبّتكم،
وتنعمون أنتم بفيض حنانهم ودفء قلوبهم المشتاقة إليكم.
عودوا، فكلّ مافي وطني يذوب حنينا لدفء أياديكم ولوقع أقدامكم وجميل آرائكم وروعة حضوركم ، فالأوطان لا تبنى إلّا بهمّة أبنائها، فأنتم ثروة وطنكم الحقيقيّة بقيمكم الفكريّة والثّقافيّة وبعطاءاتكم المادّيّة.
عودوا لتزقزق طيور الحبّ فوق روابينا
ويبرّد نسيم حضوركم حرارة قلوبنا
ويجفّف دموع الألم في مآقينا
وينقل إليكم همس قلوبنا
والرّغبة في تلاقينا.
وكم أتمنّى أن تلقى رسالتي وقعها الجميل في قلوبكم وأن تلقى دعوتي آذانًا صاغية لديكم وأن تعودوا إلينا سالمين غانمين.
التوقيع : صديقة آلمها هجر الأحبّة