دولة صغيرة، هي فنلندا، حافظت لسنوات متتالية على تصنيفها كأكثر دول العالم سعادة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزتها التقارير الصحفية بينها: الطبيعة الخالية من التلوث، الرعاية الصحية المميزة، ثقة السكان الكبيرة بالجهات الحكومية وما تقدمه من خدمات عامة، المعدلات المنخفضة للجريمة، عدم بدء الأطفال الدراسة حتى سن السابعة، ما يؤدي إلى مخرجات تعليم ممتازة.
وما يقال عن فنلندا فإنه يصحّ، إلى حدود كبيرة، على مجموعة الدول التي تعرف بالإسكندنافية، وهي شبه جزيرة تقع في شمال أوروبا تشمل الدنمارك، والنرويج، والسويد، وتضاف إليها فنلندا وآيسلندا، بحكم التقارب الجغرافي والثقافي.
آيسلندا، مثلاً، احتلت، المركز الأول في المؤشر العالمي للمساواة بين الجنسين، تليها النرويج وفنلندا ونيوزيلندا والسويد، أي أن غالبية الدول التي احتلت مواقع الصدارة إسكندنافية.
ومع أن دول إسكندنافيا لا ترد في السياقات السياسية والاقتصادية المتصلة بالمنافسة، حين يدور الحديث عن دول في آسيا وأمريكا اللاتينية، وفي أوروبا بطبيعة الحال، فهي ليست من أغنى دول العالم، لكنها تتفوق في الأوجه الاجتماعية المتصلة بتأمين شروط حياة سعيدة لمواطنيها، ضمن شبكة مترابطة من العوامل، بينها، الوضع البيئي ووفرة المياه والطبيعة الخضراء، وتوفير شروط الحياة الميسرة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة والخدمات الصحية المتطورة الناجمة عن التوظيف الرشيد للضرائب التي يدفعها المواطنون لتعود إليهم على شكل خدمات اجتماعية ممتازة، ومن ذلك أن النظام التعليمي المجاني الذي توفره هذه الدول لجميع المواطنين كعائد أساسي للضرائب التي يدفعونها، يعدّ من أفضل النظم التعليمية في العالم وأقواها.
لا يعني هذا أن تلك الدول جنة الله على الأرض، فهي الأخرى تمرّ بأزمات اقتصادية أو مالية أو سياسية، لكنها أثبتت امتلاكها للمرونة في التعامل الحكيم معها، ويرى بعض علماء السياسة والاقتصاد أن أحد العوامل المبكرة لنهضة الدول الإسكندنافية، أو بعضها على الأقل، هو نجاحها في الجمع بين مميزات الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي، كونها حُكمت من قبل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، فترة الحرب الباردة، وحافظت على ذلك بعد نهايتها.
وحول ذلك يشير تقرير كتبه مناف قومان، نشر على موقع «نون بوست» قبل سنوات، يبحث في أسباب التميّز الإسكندنافي، إلى أن النموذج الاقتصادي لبلدان الشمال الأوروبي يقوم على تطوير القطاع العام وتحقيق إصلاحات حقيقية بما يجعله أكثر كفاءة واستجابة لتوجهات الدولة، وهي أولى المزايا التي تمنح المواطنين مساواة وعدالة في التعليم والعلاج والتمتع بالخدمات.
المصدر: صحيفة الخليج