جميل داري
لا بدَّ من سفرٍ أخيرِ
لا بدَّ من تحطيمِ سوري
آنَ الرَّحيلُ إليَّ بعدَ
البعثِ من قبري الصَّغيرِ
قد ضاقَ في صدري الفضاءُ
الرَّحبُ، واختنقَتْ طيوري
للحرفِ رائحةُ الرَّمادِ
فأينَ قافيةُ السَّعيرِ
أينَ المرايا والوجوهُ
وأينَ إيقاعُ الخريرِ
أينَ الصَّباحُ مبشِّرًا
ما عادَ فيهِ بصيصُ نورِ
أينَ الخُطى، ما مِن خُطى
فالدَّربُ ملَّ من المسيرِ
جفَّ السَّرابُ وقبلَهُ
جفَّ الحنينُ إلى الغديرِ
إنْ كنتِ نائمةً على
ظمأٍ فجنِّي أوفثوري
شدِّي الرِّحالَ إليَّ لن
تجدي سوى أملي الضَّريرِ
وسوى القصيدةِ قشَّةً
في لجَّةِ الزمنِ المريرِ
مرِّي قليلًا ،لا تمرِّي
أيُّ جدوى للمرورِ؟
كلُّ الرسالاتِ التي
أرسلتُها شروى نقيرِ
لا شعرَ بعدَ اليومِ
إنَّ غيابَهُ مثلُ الحضورِ
كم قد بنى ما هدَّموهُ
وماتَ مرتاحَ الضَّميرِ
كلُّ الذي لي ليسَ لي
فمتى سيُسمحُ بالعبورِ
الرّيحُ حتى الرّيحُ ما
عادَتْ تنامُ على سريري
حتى الجبالُ تميَّعَتْ
ما مِن مُغيثٍ أو مُجيرِ
فبمَنْ ألوذُ وأحتمي
وأنا أرى سوءَ المصيرِ
وبمَنْ وأحصنتي تُقادُ
من البغالِ، من الحميرِ
روحًا بلا روحٍ أرى
جسدًا تزيَّنَ بالبثورِ
تلكمْ هيَ الأنقاضُ
حاناتٌ من الدَّمِ لا الخمورِ
يا صاحبي الكوخيَّ قلْ
لي كيفَ صرتَ من القصورِ؟
قلْ ما تشاءُ: أنا الحقيرُ
وربَّما دونَ الحقيرِ
قلْ كيفَ نلتَ موائدًا
والجوعُ حصَّةُ كلِّ سوري
لا خيرَ في خيرٍ يجرُّ
وراءَهُ شرَّ الشُّرورِ
لا خيرَ إلَّا ها هنا
يا دودةَ الأحلامِ طيري