بحث وإعداد: سهيل منيمنة
بالإضافة إلى الزراعة برع الفينيقيون في صناعات مختلفة، وتاجروا أيضاً بمصنوعات الأشوريين والكلدانيين والمصريين، فتعددت لديهم الأنشطة الصناعية الخشبية والمعدنية والزجاجية والخزفية. وإنما اكتسب الأرجوان شهرته ليس لأن صناعة الصباغ الأرجواني كانت اكتشاف هؤلاء بل لأن هذا الصباغ كان أجودها، فقد عرفته شعوب المتوسط مثل سكان مدينة ميقينية اليونانية وغيرها، ولكن الإبداع الفينيقي تجلّى في تطوير هذه الصنعة وإتقانها لدرجة أنهم أحاطوا طريقة استخراج الصباغ بسرية تامة محافظين بذلك على احتكارهم المطلق لهذه الصناعة ومبعدين عنها كل منافس لهم.
كما اشتهر الفينيقيون بصناعة القوارب والسفن وصناعة الزجاج والفخار. أشاد المؤرخ الروماني بليني Pliny بمهارة الفينيقيين بصناعة الزجاج قائلاً: “إن من صَنع الزجاج في فينيقيا نقله في عهد تيبيريوس من بيروت وصيدا والاسكندرية إلى روما”. وتبين حفريات في جزيرة قبرص أن بعض الزجاجيات كتب عليها إسم صانعها إينيون Ennion الصيدوني الذي كان من أشهر صانعي الزجاج في القرن الأول للميلاد.
واشتهروا أيضاً بالصناعات المعدنية خاصة في عصر البرونز المتوسط والأخير في الفترة الممتدّة ما بين 2100-1200 قبل الميلاد، فصنعوا البرونز بكثرة، بعدما مزجوا الحديد بمعادن أخرى، وكانت تلك الصناعة مجهولة في ذلك الوقت لشعوب العالم القديم. وفي أسواقهم عُرضت الحليّ والأواني النحاسية والأشغال العاجية التي كانت ترد إليها من مصر، كما ظهر فيها الفخار الذي اشتهرت به جزر بحر إيجه اليوناني والخزف من بلاد الحثيين والمنسوجات الصوفية البابلية والموصلية. كما يذكر المؤرخون أنه كان في بيروت سوقاً للحمير الوافدة من قبرص ومن مناطق النيل والفرات، ناهيك عن بضائع الهند والصين وبلاد فارس التي كانت متوفرة في أسواق المدينة في ذلك الوقت. كما ذكرت المصادر التاريخية المعتبرة أنهم استخرجوا الذهب وبرعوا في صناعة النحاس الأصفر، فقد جاء في الكتابة الهيروغليفية في عهد الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة ذكر آنية النحاس الفينيقية التي كانت تقدم كجزية للحكام من بين مواد ضريبة الولاء.
يتبع…
_______
الصورة:
فوق: أباريق فينيقية زجاجية ملونة (القرن الخامس إلى الثالث قبل الميلاد)
(Museum kunst Palast, Dusseldorf)
تحت:
طبق نحاسي فينيقي من الشاطىء اللبناني عثر عليه في موقع مدينة كالح العراقية.
(British Museum, London)
