قادما من سفر طويل ، لا أملك سوى ثمنها ، تلك التذكرة التي تؤهلني لدخولها ، لم يكن لدي شك عن الفيلم وطبيعته، فقط كان لابد أن أمر من هنا كما مر الآخرون .
قبل الدخول مررت بالشجرة القائمة هناك ، بدت أسطورية مهيبة ، وبدت أوراقها مختلفة وثمارها مثيرة ، قاومت إغراءها ، انكسرت الروح فواصلت العبور .
المكان يتسع للجميع ، كل أصناف البشر : أجنة ، أطفال ، شباب ، شيوخ ، مؤمنون ، ملاحدة، أخيار ، ممسوسون بالخير ، معجونون بالشر ، خونة ، أمناء، أنصاف شعراء ، أرباع موهوبين ، جهلة ، فلاسفة ، عاهرات ، جدات ، أمهات ، نخاسون ، إعلاميون ، مطبلاتية ، تجار حرب ، باعة شعوب ، ……..
يطول الفيلم ، يتسلل الجوع للنفوس ، الجميع يصطحبون طعامهم ، الأقوياء فقط يستطيعون الحفاظ على الطعام ، والذين يتعرضون للسلب يترجمون أحلامهم لطعام يقتاتون عليه .
الفيلم لا ينتهي ، فقط حين يزداد الزحام يكون على القريبين من باب الخروج أن يطبقوا قانون المكان ، عندها تجد نفسك غير قادر على المواصلة ، تجبرك قوة هائلة على الخروج ، ربما في لحظة تشوق لمعرفة النهاية ، أو لحظة انتظار قصاص عادل من ديكتاتور ، ربما في لحظة ملامسة للحياة ، أو في لحظة نادرة تحلم بها طوال أيامك ، يصدر قرار خفي تترجمه قوة قادرة على إلقائك خارج المكان ، لحظتها لا يمكنك إيقاف أحلامك ، ولكنها تغادرك ، قد تبقى في المكان منكسرة في ركن مظلم أو تتبعك حتى تفقد طاقتها فتختلط بالتراب وتصبح شجرة تتحمل جيناتك ، وتنتظر مرور أحفادك يوما لتخبرهم عنك ولكنهم لا يسمعونها فتظل تصرخ حتى تتهاوى .
للخروج باب مختلف، لذا لا فرصة لمعرفة آراء السابقين، تظل طوال الوقت تجاهد ألا تصل للباب ، لكن الداخلين يتدافعون بشدة ، فلا تملك سوى أن تخفي أحلامك في نقطة خفية من روحك وأنت تدرك تماما أن المختطفين يعرفون طريقهم للمكان ، مستهدفين أحلام الجميع ، عندها كنت أحول أحلامي إلى دماء أعبئها شراييني وأتسلل خارجا.