نورهان محمود راشد
داخل مدرستنا لم تكن معايير تقسيم الطلاب إلى فصلين (A) و(B) هي الأغرب، بل موضع إختيار فصول المراحل التعليمية أيضًا؛ ففي سبتمبر من العام 2003، ومع اليوم الدراسي الأول لي في المرحلة الابتدائية، اِكتشفت أنَّ هناك حياة أخرى على سطح أرض المدرسة، وأنَّ ذلك البناء بطوابقه الثلاث المحيط بالفناء غير مقتصر على الإدارة فقط بل يحوي فصولاً تعليمية للمرحلة الابتدائية والإعدادية، ذلك لأني قضيت العامين الأوليين بقبو المدرسة، الذي تم اختياره غالبًا لاحتواء الطلاب في المرحلة الـ”كي جي”، لأنه لا يوجد مكان أخر متاح غير فوق السطح، وهو مكان غير محبذ بالنسبة لأطفال لا زالوا يستكشفون العالم بأناملهم الصغيرة، وسيدفعهم فضولهم إلى إلقاء أنفسهم في أقرب فرصة متاحة من أعلى السطح، وتتعرض المدرسة بالتالي للمسألة القانونية. كما أنَّ الانتحار محرم، لذا اختاروا وضعنا بالقبو، حفاظًا على سلامتنا الجسدية، وهو أمر بدا مقبولاً لدى أولياء الأمور، الذين لم يبدوا أدنى اعتراض خلال زياراتهم اليومية
وهنا بالذات تدفعني أمانتي، واحترام حقوق الملكية الفكرية، إلى الاعتراف بأن صاحب فكرة رسم لوحات لكائنات بحرية وشعاب مرجانية على الحوائط الخرسانية المقامة أمام كورنيش البحر بالإسكندرية كتعويض للمارة عن رؤية صورة البحر الحقيقي هي فكرة مقتبسة عن مدرستي، فبمجرد وقوع الاختيار على القبو ليكون موضع انطلاق الأجيال إلى مستقبل مُشرق، بدأ تجهيزه ليقوم بمهمته المعدة له، فتم طلاء حائط مدخل القبو باللون الأبيض، وأضيفت شمس عليه، ووضعت الإضاءات بالسقف المنخفض، وجهزت الاركان الدائرية لمنع اصطدام الأطفال بالأركان، وأخيرًا امتلأت الحوائط بالأسماك والأشجار والنخيل، والـ”ميكي ماوس” وزوجته “ميني” (وقد تزوجا على حائط فصلنا قبل زواجهم بالعدد الرسمي بسنوات)، بالإضافة لأقواس قزح (قبل اِكتساب سمعتها السيئة)، والتي رسمت بجانب الشمس عند باب المدخل، ليكتمل المشهد بمجرد إغلاق الباب علينا. وطبعًا هذا كله مع عدد من حروف الأبجدية باللغة الإنجليزية، والأرقام اللاتينية
هكذا، ولمدة عامين كاملين قضيت غالبية نهاراتي من الساعة العاشرة إلى الثانية عشر والنصف داخل القبو، الذي ندلف إليه ونغادره دون الاحتكاك بالطلاب الكبار. لذا كان يوم 15 سبتمبر من عام 2003 يومًا مميزًا جدًا وصادمًا في الآن ذاته، منذ اِرتديت اليونيفورم في الصباح، لأتفاجأ بتغيير لون من اللونين الأحمر والأزرق الكاروهات إلى اللون الرمادي بدرجاته، وتحول البادج المكون من حرفي “S.C.”، من اللون الأحمر إلى الكحلي القاتم
بالطبع أبديت اِعتراضي لكنهم أقنعوني بأنها ثياب الكبار، ويجب أن أسعد بها، بينما عقلي ظل يسأل لماذا لا أقتحم حياة الكبار بقميصي الأحمر الكاروهات كما فعلت خلال عامي الـ”كي جي”، فاللون الرمادي هو الأكثر اِنتشارًا بين المدارس، ولم أكن أحب أن أشبه الباقيين، إلا أنه لم يكن هناك وقت للنقاش، فالمواعيد أصبحت من التاسعة وليست العاشرة، واقتادوني إلى المدرسة دون أدنى شعور بالرضا داخلي
بمجرد وصولي المدرسة، تفاجأت بالتغيير الثاني، فهناك طابور سنرتاده قبل الصعود للفصل، ما لا يقل عن عشرين دقيقة، ويتم فيه التفتيش على الثياب والأظافر وأحيانا لون الجوارب، ثم نصعد سلمًا إلى الفصل، عوضًا عن الثلاث درجات إلى الأسفل، وبنهاية اليوم كانت المفاجأة الأكبر في انتظاري، فقد أصبح جدولنا مكون من تسع حصص، يفصل بينها بعد الحصة الخامسة فسحة قصيرة، وبالنسبة لي كانت قصيرة جدًا لم تكفي أبدًا حتى يوم تخرجي من الثانوية لأتبادل أحاديثي وأروي قصصي لأصدقائي، وينتهي اليوم في الساعة الثالثة والنصف كما يمنع الجميع من مغادرة الفصول خلال اليوم، ولا يوجد أي قيلولة مسموح بأخذها، بالرغم من طول اليوم. باختصار أحالوا حياتي جحيمًا
يتبع
Nice
جميله اوي اوي اوي …. ف انتظار الباقي بقى بسرعة ماتتأخريش علينا