نورهان راشد
مع انتهاء العام وبداية عام جديد اِنتقلنا لفصل آخر، كنت محظوظة باِستطاعتي رؤيتها من شرفة الفصل الثاني، بالرغم من الصعوبة مقارنة بالأول. وبعد اِنتهاء إجازة منتصف العام، عدت إلى الفصل لأتفاجأ بشرفتها لا تفتح، وبقيت على حالها لأيام، اِمتدت لأسابيع، حتى كاد الانتظار يقتلني
صرحت بما يجول في صدري لصديقتي الجالسة بجواري، وتنبه الجالسون من حولنا إلى تطلعنا ناحية النافذة، فاشتركوا معنا بالحديث، ومر هذا اليوم والجميع يضع عينه على باب الشرفة بإنتظار خروجها
“ربما تركت الشقة” قالت واحدة من صديقاتي، بل “ربما توفيت” قالت أخرى، وعمَّ صمت بعد ما قالته، لم يقطعه سوى صديقة أخرى تدعى كلارا قالت: “بل ربما هاجرت إلى كندا”. بالرغم من سخافة ما قالته، إلا أنه اِستطاع إخراجنا من ما خلفه داخلنا ذكر الموت. ولم نتناقش فيما قالته كلارا، فقد كانت تستعد للهجرة رفقة عائلتها. ومنذ بداية العام، بعدما تلقت الخبر الأكيد من الكنيسة بإقتراب الهجرة، كانت تُسخِرُ كل أنشطتها لخدمة هجرتها القادمة، فباتت لا تهتم بأي مادة باِستثناء اللغة الإنجليزية، لاسيما فهم طرق قراءة “pronounciation” باِستخدم القاموس
بعد عدة أيام نسوا تقريبًا النظر إلى الشرفة، ولم أرى صديقتي العجوز مجددًا حتى غادرنا الفصل، وانتقلنا لآخر في العام الجديد، لكنها تركت داخلي أثرًا جعلني أفكر في العلاقات التي خلَّفتها الأماكن بداخلي، هل تستطيع تلك الأماكن التي ترافقنا أن تحدد مستقبلنا قبل أن نعيشه؟
في أيام طفولتنا، لم نكن مقيدين بأي شيء، كان شغفنا نحو العالم قادر على دفعنا للطيران، ربما لهذا حاصرونا داخل قبو من صور مزيفة، ليضعوا حدودهم فوق تلك الأحلام، وحين أصبحت عقولنا مكبَّلة أخرجونا إلى الأدوار العليا، مؤمنين بأن عقولنا المقيدة لن تدعنا نرى أبعد من السبورة، وحتى لو تطلعنا خارج الشرفة، فلن نرى سوى بنايات سكنية، تخالف الارتفاع المسموح به لاتساع الشارع، وتمنعنا من رؤية اِمتداد الأفق في السماء
هذا هو حاضرنا؛ لكن كيف سيكون مستقبلنا؟ لا أظنه سيختلف عن مستقبل صديقة الشرفة، ووقتها ربما أمكنني خلق مستقبل مختلف، إذا رافقت كلارا في رحلتها، وهو أمر ليس بالبسيط، وسيكلفني الكثير من التضحيات، لعل أهمها أنني لن أملك وطنًا، لكن يبقى هناك أمل ما بين هذا وذاك
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي