آن الصافي
قراءة لرواية فومبي للكاتبة بدرية البدري
صرخة في وجه الاستعمار في أوان الاعتذار عن حقبة السقوط الأخلاقي
في السنوات الأخيرة تابعنا عبر القنوات الإعلامية والصحفية آراء أجيال معاصرة في ما فعله أجدادهم من ممارسات مستنكرة ومستهجنة من بطش وممارسات لا إنسانية عبر حقبة الاستعمار. عدا ما نقرأه أسفل الصور التي يعاد نشرها لمن استضعفوا من قبل الاستعمار لنساء ورجال، كبارا وصغارا مصفدين بالأغلال يساقون لبيعهم في أمريكا وأوروبا. عدا القصص التي تحدثت عن الاستبداد والعنصرية كما في كثير من الأفلام كقصة فيلم الجذور
من الأخبار التي هزت مؤخراً وجدان المجتمع الكندي، خبر اكتشاف مقابر لأطفال من السكان الأصليين في ساحات عدد من المدارس بكندا. كما ورد بالخبر عبر القنوات الإعلامية: بين نهاية القرن التاسع عشر وتسعينات القرن الفائت، جرى تسجيل نحو 150 ألف طفل متحدرين من المجموعات الأصلية قسراً في 139 مدرسة داخلية بمختلف أنحاء كندا، وأُبعدوا في هذه المؤسسات عن أسرهم ولغتهم وثقافتهم.
ولم يعد الآلاف منهم إلى عائلاتهم قط. وفي عام 2015، وصفت لجنة تحقيق وطنية بكندا هذا النظام بـ (الإبادة الثقافية)
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عقب ذلك الاكتشاف: “إن ذلك الاكتشاف يمثل تذكيرا مؤلما بعهد مخجل من تاريخ بلادنا”
قرأت مؤخراً عمل روائي بعنوان (فومبي)، للكاتبة العمانية بدرية البدري، صادرة عن دار الساقي 2022
عمل يتميز باللغة الرصينة والتشويق. على الرغم من أن جرعة التراجيديا تغطي على مشاهد العمل إلا أن دافع المتعة يشد القارئ برغبة الاكتشاف ليعبر جميع المساحات المقدمة والانتقال من حدث إلى ما يليه من أحداث بكل سلاسة
عبقرية العمل تكمن في تقنية السرد من الراوي /الرواة؛ فنرى المُستعمَر الذي يروي معاناته، وما تعرض له من تعذيب واستعباد، كما نرى المستعمِر الذي يقص قصته بتعال عن المستعمَر واظهار أعماله البطولية في إنقاذ من يصورهم ضعفاء ومتخلفين حضارياً ونقلهم إلى درجات أعلى في الرقي والتمدن. تحت هذه الشعارات تمارس جميع صنوف الجرائم وانتهاك حقوق الإنسان وبأبشع الصور
فومبي تجعل القارئ يعود ليقرأ من على الغلاف من الكاتب؟ هل هو عمل مترجم من لغة أخرى إلى العربية؟ ليس فقط للغة المستخدمة، بل لنقل وجهات النظر والتفاصيل المُصاغة بدقة متناهية، كما أن تسلسل الأحداث يحملنا لمعايشة حقبة تاريخية بعينها بين عوالم الواقع والمتخيل
اعتذرت هولندا عن ممارساتها اللا أخلاقية واللا إنسانية في عهد الاستعمار ضد من سلبتهم حقوقهم في حياة كريمة ونكلت بهم وبأبشع الصور تحت مسمى العبودية والاستعمار، حيث قدم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته خطابا رسميا في لاهاي بتاريخ (19 ديسمبر 2022) مقدما باعتذار رسمي باسم الحكومة عن دور الدولة الهولندية في العبودية، معتبراً أنها جريمة ضد الإنسانية؛ فهل أتى الدور على بلجيكا لتقدم اعتذارها؟
لن أتعجب أن تتصدر فومبي أرفف القراءة بالعربية وكذلك إن ترجمت إلى لغات الشعوب التي عرفت إداراتها السابقة بالمستعمِرة، ستتصدر الأرفف لأنها ببساطة صرخة إنسانية حقيقية الألم ومدوية الصدى في زمن لن ينتصر فيه إلا من يعترف بحق البشرية في حياة كريمة
أبوظبي
24 فبراير 2023
غرفة 19
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل
- فلسفة القوة عند نيتشه