تنهض مع الصباح ترفع الغطاء عنها، تمشي بخطوات بطيئة نحو المرآة، تنظر الى وجهها، تبتسم وتنثر من قارورة عطرها، تفرح فهي ما زالت على قيد الحياة، لازالت تبتسم بعدما احتضنت الليل بين جفنيها، وعاشت تفاصيله بوجدان يقظ، تراقب كل لحظة، تنتظر ما قد يأتي مع بزوغ الفجر.
ها هي تقف بعد معركة داخلية عاشتها في ساعات الظلام، تضع ملابسها على جسد ما زال ينبض بالحياة، في طقس يشبه طقوس النجاة.
تخطو خطوات مثقلة نحو الهاتف، لتتفقد العالم الذي استمر بالدوران بينما غابت عنه في غفوتها.
ومع أولى لحظات الصباح، تبدأ طائرات الاستطلاع في التحليق كالغربان السوداء التي تحوم فوق المدينة، تخترق بصوتها الحاد الآذان لتصل إلى أعماق الروح، تبث الرعب في قلب الحياة.
تستمر الطائرات في التحليق لساعات، وكأن الجنون أصبح قانوناً يفرض نفسه على الأجواء، فيما الحياة تسير رغم كل شيء.
تمشي باتجاه زاويتها المفضلة، تلك الزاوية التي تلملم بها أفكارها لتنثرها بحبرها على الورق، أريكة تريحها في جلساتها التأملية، وعلى الطاولة بجانبها نبتة صبار صغيرة تتحدى الجفاف، تنظر الى صبارتها وتسألها « هل الطين الذي خُلقنا منه بدأ ينبت صباراً؟».
صبارتها تتماسك بالرغم من كل الظروف تحمل رسالة الصمود وسط الألم.
تبتسم وهي تمسك بقلمها، تبدأ بتدوين أفكارها، تحمل هاتفها تتفقد برسائل قصيرة الأصدقاء، تحاول الاطمئنان على أهلها الذين شاركوها نفس البقعة الجغرافية، نفس السماء المثقلة بالغيوم الداكنة.
في الخارج، تفتح نافذتها ليتسلل الهواء المحمّل برائحة البارود، كأن المدينة تحاول أن تفرغ الألم المتراكم في صدرها. تتذكر الليلة الماضية، تلك التي كانت أشدّ الليالي قسوة، حيث أصوات الصواريخ ملأت أرجاء المكان، ودخانها الأسود مزّق السّماء، كانت أقسى الليالي، الطائرات أطلقت غضبها نحو الأرض وأحلام من يقطنها.
لكن وسط كل هذا الدمار، تجد نفسها ما زالت قادرة على الابتسام، ما زالت قادرة على الحب والكتابة، وكأنها تقتبس من نبتة الصبار الصغيرة قدرتها على الحياة في أصعب الظروف.
تعود الى مرآتها تردد في داخلها «نعم، أنا استحق الحياة، سأسير وأتخطى، كما يتخطى الجندي جثث أصدقائه ليكمل المعركة!
تبتسم لجميلتها في المرآة قائلة: «كم أحبّ أن أراك بشوشة، برّاقة، مبتهجة!».
