لو نسينا الإبداع لحظة وعدنا إلى همومنا الشعرية لسألتكم…عما نكتب أيها الشعراء في هذا الزمن المضاد للشعر ؟
ليس هذا زمننا للغزل ، ولا زمننا للمدح ، ولا زمننا للحماسة ، إنه زمن للذهول فقط . كان الشعراء يموتون عشقا، فأصبحوا يموتون من الضجر، كانوا فرسانا يقفون في خطوط التماس والنار، يصنعون المعارك ويكتبون شعر الحماسة، أصبحوا يتابعون الأخبار على شاشة التلفاز أو الهاتف المحمول .
مات عنترة مذ لم تعد لنا سيوف تذكره بثغر عبلة ، مات أبو فراس منذ أصبح (عصي الدمع) ، مات المتنبي يوم مات سيف الدولة وبحث عبثا عن حاكم عربي آخر يستحق المدح فيه فلم يجده ، فماذا تكتبون أيها الشعراء ؟ وماذا عسانا نكتب ؟
ليس هذا زمنا للخنساء ولا لرابعة العدوية ولا لولادة بنت المستكفي… منذ أصبح كل عربي مشروع شهيد ضيعت الخنساء قبر أخيها ولم تعد تتقن الرثاء.
قلبنا يمضي لأولئك الذين يكتبون في تشردهم وحصارهم قصائد الصمت المكابر. تعلموا الموت وقوفا كالأشجار، مسافرون نحن في سفينة الأحزان ، مطاردون كالعصافير ، أصبحنا نبحث عن سكن ونسينا أسماءنا – معتقلون في كتاباتنا – داخل أحزاننا وأحلى ما بنا أحزاننا ؛ وكما قال نزار قباني “خبزنا مبلل بالخوف والدموع ” .
آه يا وطني الغارق بالنزيف آه يا وطني المكسور . لنعترف بما فعلوا بنا ، مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا ، مهجرون من أمانينا وذكرياتنا ، مسافرون نحن خارج الزمان والمكان ، ضيعنا الإحساس بالأمان . يا وطني حبي لك اجتياح كيف أتركك وأزين الجراح !!! رغم أني أسيرة الأحزان ولست أعلم أين أمضي، فأنا غريبة الدار، لقد ضيعت بعضي … لكن كطموح النسر…ودأب النملة سأكتب وأنظم الشعر ولن نيأس أو نهزم .
فهل يظنون أن هويتنا وتاريخنا وتراثنا ومعتقداتنا قد طمست أو محيت ؟ ؟ عبثا يحاولون … لا فناء لثائر خط بالحبر قارورة الشوق ونظم الشعر ، لا فناء لمبدع تذوق أبجدية الخلود . فلنكتب من رحم اليراع ونخوض موج البحر فترسوا الأحرف على شواطئ وطني فتثمر وتنبت حبا وأمنا وسلاما…
هلا ياسين