- حكَّ الثعلب العائد توًّا من تلك الغابة الكبيرة التي تعلَّم فيها فنونًا جديدة في الاحتيال ، والكسب السريع ،وهمس:
- “الآن أفكِّر في ترؤس جماعة الثعالب . فما هو الطريق السريع الذي يحقِّق غايتي؟”
- ربض تحت شجرة يرقب صيدًا يسدّ جوعه ، فسمع الصقر ينادي :
- “على ممثلي جماعات الحيوانات الاجتماع في عرين الملك بعد ساعة من الآن. الحاضر يعلم الغائب.”
- -وجدتها؛ ممثِّل . جميل هذا اللقب . أتوجَّه الآن إلى الملك ، وأبدي الطاعة ، وأطلب إليه أن يمنحني هذه الصفة،ويجود عليّ بلقب كبير الثعالب،وهذا ما يسمح لي بحضور الاجتماعات جميعها أسوة بأصحاب الألقاب .
- توقَّف أيّها الثعلب المكَّار ، فأنت لست مدعوًّا ، لذا؛ لن اسمح لك بالدخول.(قال الشبل حارس العرين)
— بلّغ سيّدي بأنّني عائد توًّا من غابة بعيدة ، وأنقل إليه ما يسرّه.
- توقَّف أيّها الثعلب المكَّار ، فأنت لست مدعوًّا ، لذا؛ لن اسمح لك بالدخول.(قال الشبل حارس العرين)
- – انتظر مكانك ولا تتحرّك . أنا أعرف حيل الثعالب جيّدًا.
- غاب الشبل قليلًا وعاد
- – ادخل ،وعليك أن تكون محتشمًا في حضرة الملك
- – سمعًا وطاعة يا عزيزي
وقف الثعلب أمام الملك بخشوع مصطنع.دمعت عيناه،وأحنى رأسه ، وركع وهو يتمتم بدعاء مسموع: - – حمى الله سيدي أبا الحارث وزادك رفعة ومقدرة.
- – ما الذي تريده يا ثعلب ؟
- – سيّدي .قبل أن أرفع إلى مقامك العالي طلبي يسعدني ان أبتهل إلى الله ليطيل عمرك وأعمار أسرتك الكريمة.
- – قلت لك ما الذي تسعى إليه ؟
- – أنت تعلم أنّني عائد توًَّا من تلك الغابة الكبيرة ، وبما أنَّ أبا الحصين أمضى في تمثيل الثعالب وبنات آوى زمنًا طويلًا ، وبما أنّك ترغب في التجديد فإنَّني أطمح في كرمك ومنحي شرف التمثيل بدلًا منه ، وأعدك بأنَّني سأكون عند حسن ظنِّك بي يا سيّدي
- – أيُّها الثعلب أطلقت عليك الآن لقب أبي الحصين اذهب .
- – حمى الله الملك وأطال عمره ، وأدعو الله أن يأخذ من عمري ما يزيده في عمرك.
- بعدما انحنى مستأذنًا بالمغادرة طار فرحًا ،وأحسّ أنّ فضاء هذه الغابة لا يسعه، وبينما كان يعدو مسرعًا سمع جماعة البلابل تغرِّد على السنديانة العتيقة. توقّف، واتَّلع عنقه، وأخذ يرمق هذه الجوقة السعيدة بعين الحسد ، وتمنّى لو يمتلك صوت البلبل الغرّيد
جرض ريقه وتابع ، فتناهى إلى سمعه جوقة العنادل ، وليس ببعيد منها جوقة الحساسين.وبعدها سمع الببغاء تتلو قصيدة حفظتها. - وجدتها. سأكتب الشعر وأصبح شاعر الملك المقرَّب جدًّا منه.
قال ذلك وشرع يحفظ بعض أبياتٍ سمعها من الببغاء
صباح اليوم الثاني أسرع أبو الحصين يطلب أذن المثول بين يدي الملك الذي استيقظ كعادته على ترنيم البلابل التي كانت تضفي على سأم الغابة قليلًا من السعادة. - ما طلبك يا أبا الحصين؟
- – كتبت لك سيدي قصيدة تليق بمقامك العالي ، وأتمنى أن تنال إعجابك!
- – أيُّها الشبل أدع الببغاء وكبير البلابل الموجودين في عبّ هذه السنديانة ، واطلب إليهما أن ينظرا في جودة الشعر الذي جاء به الشاعر أبو الحصين
- – أمر سيدي مطاع . أنا والببغاء هنا نصغي بانتباه شديد
- – هات ما عندك أيها الشاعر
ارتبك أبو الحصين وتعرّق عندما علم أنّ الببغاء هو الناقد الآن ، هزّ رأسه وشرع يضبح بصوت قبيح بعض ما سمعه وحفظه متقطِّعًا من الببغاء. - – ما رأي الببغاء بالشعر الذي سمعه الآن؟
- – هذا الثعلب لصّ كبير ،سرق بعض أبيات كنت أرجِّعها قبلًا. فحفظها وتبنّاها.
- – هذا الثعلب جاء يطلب أن يكون شاعر البلاط فما رأيك ،وما رأي صاحبك البلبل؟
- – بدايةً أنا وصاحبي البلبل نشكر ثقتك الغالية بنا . لذا، وقبل تقديم الرأي الصريح في هذا الثعلب ألفت عنايتك الكريمة إلى أمر مهمّ هو:
- إنِّ الله سبحانه منح جماعة الطير قدرة التحليق في هذا الفضاء الواسع، فتستمتع بخرير مياه النهر، وتطرب بترجيع الشحارير والبلابل ،وحفيف أغصان الشجر.
- أمّا هذا الرابض بين يديك ،والذي يغتذي على الخنافس وعلى بقايا ما تتركه أنت له ولأمثاله من اللصوص فليس بقادر على نظم الشعر، ولا إبداع أيِّ نوع من أنواع الأدب
بصراحة شديدة أقول لك يا سيّد الغاب :
أنت منحت هذا الثعلب صفة تمثيل الثعالب ، وبإمكانك أن تمنحه ألقابًا وصفاتٍ عديدة أخرى .
أمّا لقب شاعر فليس لأيِّ سلطة مهما علت الحقّ في إطلاقه . فالشعراء الحقيقيّون الذين يحلِّقون في فضاء الفكر إبداعهم هو الذي يصنّفهم مبدعين وملهمين . هذا رأيي أقدِّمه بأمان وصدق والسلام …
بيروت في 20/6/2024
لطالما يتحفنا الصديق الغالي الأديب القاصّ ، دكتور علي حجازي ، بباقة رائعة في العِبرة والهدف والمعنى والمضمون ، وهو طموح الباذل ملكاته على مسرح الحياة ،
شكرا لكم حبيب القلب ..
نعم د. علي حجازي صاحب قلم ذهبي، اهلا بكم