أفاق من موتته الأخيرة وهو يصيح قائلا : هلا جهزتِ وجبة الإفطار يا فاطمة؟ أريد أن أشرب النسكافيه ساخناً وجهزي لي البيض المسلوق وعليه قليل من الفلفل الأسود و زيت الزيتوت. قالت زوجته في نفسها توا انتهيت من رفع الإفطال! ما باله فيصل ..ماذا حدث له؟ أفقد وعيه؟ ماذا دهاه! هذا هو فيصل الرجل المشبوب الذكي الذي يفيض من قلبه الحنان وتلمع عينيه مرحا . أصبح ينسى بشكل كبير مع مضي الوقت ..هل من الممكن أن ينسى زوجته وأولاده الذين يعيشون في ألمانيا مع زوجاتهم. خرج فيصل من غرفة الجلوس وهو يمشي رويدا رويدا ليرى ما الذي تفعله زوجته ذات القامة الطويلة الممتلئة قليلاً. صاحبة الشعر الذهبي والعينين السوداوتين الواسعتين. وهي تزيل الغبار عن الأثاث .. من فوق التلفاز والطاولات التي توجد في غرفة المعيشة بالريشة الناعمة الطويلة.. وقال لها: ماذا تفعلين يا فاطمة؟يكفي تنظيفًا طوال الوقت …أما كنا في الزلزال والحائط الذي على اليمين يكاد أن يلامس الحائط المقابل من شدة قوة الزلالزال ونزلنا على الدرج وكنتُ وقتها أقول لك تعالي بسرعة نهرب من الموت المحتم وسحبت يدك وأمسكتها وهربنا. ولم اتذكر بعد ذلك شيء إلا وأنا في المشفى ورأسي به جرح كبير … ما الذي حدث لي ؟ ما الذي حدث لي أثر الزلزال ؟ شرعت بالكلام وهي تتنحنح قائلة:انتظرني ريثما انتهي من تلميع الأثاث وبعدها سأحكي لك كل ماحدث لنا مع الزلزال. انتظر فيصل زوجته وعيناه تلمع كلمعان الكرز الطازج ويقول في نفسه ما أحفل الحياة بالمفاجآت المرعبة! جهزت فاطمة فنجانين من القهوى التركي الممزوجة بكثير من الحبهان الطازج ففاحت رائحة القهوى الطازجة ووضعت كأسين من الماء وخمس حبات تمر في الصحن ووضعتهم جميعهم في صنينة وذهبت إلى زوجها لتخبره ما الذي حدث له أثناء الزلزال الذي انتهى بسرعة عقب وقوعه. كانت فاطمة تحمل الصينية وتمشي في اتجاه فيصل الذي يجلس في غرفة المعيشة ومشغلا فيها التدفئة يجلس بجانبها ليأخذ بعضا من الهواء الساخن لعله يتدفى لأن الجو شديد البرودة .. دمدمت لزوجها وقالت له هلا بك حبيبي، كيفك اليوم؟ فبدأت الحكي بأنفاس محتبسة ووجه متقلص فزاغ بصرها إلى اللوحة المعلقة على الحائط وبدأت تسرح وتتذكر الرعب الذي أحدثه الزلزال الهائج، “كنا نجلس في غرفة المعيشة. فكانت تومض الأنوار وترتد الأصوات العالية في كل مكان، في حين أن الأرض تهتز بشكل لا يمكن تصوره ترتفع الأصوات الصاخبة للزلزال الذي هز الأرض بعنف كانت خلجاتنا النفسية تتأرجح بين الألم والأمل، فكلما اقتربت لحظة الموت”. زادت مشاعري في تلك اللحظات الصعبة، بدأت في تقييم حياتي وافكر فيما مضى وما هو قادم. تراجعت أمام عيني لحظات السعادة والحزن والتحديات التي مررنا بها. شعرت بالأسف على الأشياء التي لم نحققها.توقف عقلي عن التفكير، كما تذكرت زوجي وأولادي واللحظات الجميلة والذكريات الدافئة التي ستترك خلفنا. أصبحت أدرك أن الحياة مجرد لحظات معدودة وأن الزلزال يمكن أن يأخذ كل شيء في لمحة بصر. “كنت واياك نحمل أيدينا اليسرى على قلبينا، فكنت اشعر بنبضاته يزيد بشكل متسارع بينما كنت تحاول تهدئتي وتوجيهي”. ومع ذلك، كانت عيناك يملأهما القلق أيضًا.”سنكون بخير، فيصل”، قالها بصوت متوتر. “علينا فقط البقاء هادئين والعثور على مكان آمن ربما ننزل للطابق السفلي”. بينما كنت احاول التركيز على كلماتك، ولكني لم اتمكن من تجاهل الصوت المدمر للزلزال والهدم الذي يحدث حولنا. الزجاج يتطاير والأثاث يتحرك بشكل متقطع، مما يخلق جوًا من الفوضى والرعب. كنت أشعر بالعجز وعدم القدرة على التحكم في الأمور. بينما كنا نحاول مواجهة الزلزال، تداعت ذكريات في عقلي. تذكرت أيام السلام والهدوء التي قضيناها مع ابنائنا، واللحظات السعيدة التي قضيناها في الحديقة والرحلات التي خططنا لها سويًا. كانت هذه الذكريات تعطيني قوة وتشعل الأمل في قلبي. عند الزلزال لقد خفنا كثيرا فامسكت أنت بيدي لكي ننجو من الهلاك وشرعنا بالنزول بشكل مسرع جدا من الدرج وإذ بقدمك قد التوت فسقطت سريعا على الأرض مرتطما بالحائط فاقدا للوعي..ورأك الجار علي فأتصل فورا بالأسعاف التي جاءت بعد عشر دقائق وكان الدم ينزف من رأسك بشكل سريع، ليحملك إلى المستشفى وجلست فاقدا للوعي عدة أيام وبعد الإفاقة الكاملة لك .. قال لي الطبيب بإمكانك أن تصطحبي زوجك إلى البيت وكل شيء على ما يرام. كان فيصل يستمع لحديث زوجته وهو مصاب بالجوى…. وهنا قالت فاطمة :أنت في تحسن مستمر مستمر..أحبك زوجي .