د. مصطفى الضبع
هو لا ينساني مطلقا ، يتحين الفرصة لزيارتي في أوقات متباعدة ، لا يأتي دون سبب ولا يزورني بيد فارغة ، ولا يغادرنا دون أن يحمل شيئا ولو كان بعض الوقت ، هو يعطي بقدر ما يأخذ ، ويأخذ أكثر مما يعطي لكنه عادل في العطاء
كثيرة هي الأشياء التي منحنيها : سيارة ، قلم رصاص ، مساحة في شرفة تطل على مساحة خضراء ، ساعة يد ثمينة ، مظلة لم أستخدمها كثيرا ، كاب شبه قديم ، صديق أعتز بصداقته ……..أشياء تعلقت بها رغم فوات زمنها ، وأشياء ادخرتها لساعة احتياج وأشياء لم أفهمها ففضلت الاحتفاظ بها حتى سنوات الوعي
منذ سنوات أهدانيها فلم أفهم سببا لكنه أسر لي أنها الهدية الأغلى ، ربما لشعوره بحاجتي الماسة لوجودها ، وربما لأنه أدرى بمستقبل سأكون فيه في حاجة لمجرد وجودها الغني ، أتوكأ عليها فأستطيع المواصلة ، لشهور ترددت في قبولها ، ولكن كأنه بث في روحي طاقة عاتية للتمسك بها ، حتى حجمها الذي لم أكن أقبله
إقرأ أيضا
قصة من الأدب التشيكي
من قبل توافقت معه بسهولة غريبة
السنوات الأخيرة تعلقت بها حد الوله ، كنت أراها بديلا لكثير من سقطوا في سنوات الصعود ، ولم اعد قادرا على الاستغناء عن وجودها لأهش بها على قسوة الأيام وغدر الزمن وتقلب الأحوال ، أستأنس بوجودها في كل مكان ، وعندما تضطرني الظروف أن أتركها في السيارة كنت أظل أتابعها عن بعد
في نومي كنت أحرص على وجودي جانبها ، قريبة حد الاحتضان ، عابرة أحلامي حد السيطرة عليها ، لكنها في لحظات القسوة أو في بعض لحظات الجموح كانت تبدو قاسية حد التمرد والخروج من كل الأعراف ، كنت حينها أجرب الانشغال عنها أو عقابها بالإهمال لكنني كنت كمن يعاقب نفسه في صمت
كنت أحاذر الاصطدام بها فقد حدث مرة فكانت في أسوأ حالاتها وأبشعها (أحاول منذ سنوات نسيان الموقف فتذبحني التفاصيل القاسية)
إقرأ أيضاً
قبلة لم تتم
أحتفظ لها بكثير من الأدوار التي حققتها ؛ فكم ربت وكم هذبت وكم علمت ، وكم أصلحت أحوال متمردين ، وكم ، ولكن حين أشعر بتمردها يغزوني الوجه السيئ من تاريخها على الأرض فتغمرني التفاصيل السيئة التي أدركها
حين أقلقني حجمها المتزايد تذكرت ما كانوا يفعلونه قديما في الخيزران، يسقونه زيتا ليكون أكثر نعومة، بحثت حتى وجدته ، نوعا غاليا من الزيت نجح كثيرا في التخفيف من غلظتها ، وأدخلها في سياق جديد لم نكن نحلم به
لشهور ظلت تتغير ببطء لكنه تغير ملحوظ لم تتضح خطته المستقبلية مما أشعرني ببعض التفاؤل
الآن تجمعنا شرفة واحدة تعيش شتاءها ، وأعيش صيفي وأنا أحاول أن أتلو عليها بعض حقوق الحياة
تعليقات 1