.هنادا طه
9 مايو، 2022
لموقع ثمانية
علم القراءة ونظرية الألعاب الناريّة
الإبهار البصري الذي توفره لنا تقنيات التعليم جميل لكنه ليس مهمًا. فلن يكون هذا الإبهار سوى ألعاب نارية ما دام
أبناؤنا لا يقرؤون
رغم التطور التقني الهائل الذي نشهده، واستخدامنا أحدث تقنيات التعليم عن بُعد، وكل الآلات الذكية والألمعية والنانوذرية، فإننا عند تحليل ما يحدث في مدارسنا في شأن تعليم اللغة العربية، نرى العالم يسير باتجاه، ونصرّ نحن على السير في الاتجاه المعاكس. ليس هذا من باب العناد أو التفرد، ولكنه من باب: «هذا ما وجدنا عليه آباءنا.»
العالم العربي يفشل في اختبار القراءة
لو استعرضنا سريعًا مكاننا في جودة تعليم اللغة العربية، لرأينا أن نتائج الاختبارات العالمية في الفهم القرائي -التي يخضع لها أكثر من خمسين بلدًا مرة كل أربع سنوات- تصنف أداء طلابنا في الوطن العربي دون المعدل العالمي دائمًا. ولوجدنا أن معدل فقر التعلم في المنطقة العربية يتجاوز 62%.
سنلاحظ مثلًا أن معدل ما يتعلمه الطالب في السعودية بعد اثنتي عشرة سنة من الدراسة لا يتعدى سبع سنوات ونصف. وسنجد أرقامًا متقاربة في كل من مصر والجزائر والكويت
والمعروف أنّ القراءة باللغة الأم أساس لتعلم باقي المواد ولتعلم اللغات الأخرى. كما نعرف أن الطالب يتعلم القراءة حتى الصف الثالث الابتدائي، أما حين ينتقل إلى الصف الرابع الابتدائي-وما بعده- فيقرأ ليتعلم، إذ تصبح المادة الدراسية أكثر تعقيدًا وصعوبة
تحتاج معلومات ونتائج من هذا النوع إلى استنفار عربي تعليمي وعلمي، وإلى خطة استراتيجيّة للسنوات العشر القادمة ينصب الاهتمام فيها على تطوير جودة التعليم عمومًا، وتطوير جودة تعليم العربية خصوصًا، وجعله مستنِدًا إلى «علم القراءة»
ما عِلم القراءة؟
بُني «علم القراءة» على نتائج آلاف الأبحاث العلمية الرصينة المنشورة عالميًا في مجالات أبحاث الدماغ وعلم الأعصاب والتربية وعلم النفس. وقد ساعد في توضيح الطرائق الصحيحة لتعليم القراءة بالدليل العلمي. كما ساعد في تسليط الضوء على الأساليب غير الفعالة في تعليم هذه المهارة، منها تعليم القراءة بشكلها الكلي من خلال حفظ أشكال الكلمات
وهذا يعني أن الطالب إن حفظ عشر كلمات، فسيقرأ عشر كلمات. أما إن تعلم القراءة مستندًا إلى أصوات الحروف، فسيتمكن من قراءة عدد لا محدود من الكلمات. ويرجح التربويون أنّ الاحتكام إلى خلاصات «علم القراءة» في تدريس اللغات يقلل نسبة فقر التعلم بنسبة 25%.
ماذا يقول علم القراءة؟
من أهم الخلاصات التي توصلت إليها أبحاث علم القراءة
تعليم الأطفال اللغة من خلال تعلم أصواتها هو المدخل الأول والأهم لتعليمهم التّهجئة والقراءة بأسرع وقت ممكن. ويشمل هذا تعليم الوعي بأصوات الحروف من خلال الألعاب السماعية التي نسميها «مهارات ما قبل القراءة»، وتحديد موقع الصوت؛ في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، أو تمييز السجع في الكلمات واختراعه وإن كانت كلمات مختلقة غير حقيقية
اللعب بالحروف وتشكيلاتها بحيث يرتب الأطفال الحروف ألفبائيًا ثم بالعكس. أو يفرزونها إلى فئات، كتصنيف الحروف بناء على نقاطها مثلًا. سينمي هذا استعدادًا لدى الأطفال للعب بالحروف، ومن ثم يثبتها بصريًا ومعرفيًا في الدماغ
نحتاج إلى إغراق الأطفال بأدب الطفل ونصوصه من خلال أنواع القراءة المختلفة، والتركيز على فهم المقروء ليكون وسيلة لزيادة معارفهم. هكذا تتكرس عادة القراءة لديهم ويكتسبون عددًا أكبر من المفردات
يكون التمكن من الكتابة بممارستها منذ الصفوف الأولى، سواء أكان ذلك مع القراءة أم الإملاء المخترَع، إذ يُسمح بالإملاء الصوتي، كأن يكتب الطفل مثلًا: «هاذا» عوض «هذا». ومع الوقت والمراس والتعرض للقراءة والكتابة يوميًا، تصبح الكلمات كلمات بصرية يحفظ الطالب رسمها الصحيح دون عناء كبير
قد يكون فهم المقروء من أهم المهارات المذكورة. فالفهم القرائي غاية وهدف كل قراءة. وأي قراءة لا تنتج فهمًا للمقروء تكون مضيعة للوقت والجهد
تعليم المفردات المباشر وغير المباشر يوميًا أمر في غاية الأهمية، إلى جانب تدوير هذه المفردات، فتستخدم استخدامًا متكررًا حتى يكتسبها الطالب وتصبح جزءًا من معجمه الخاص
تعليم الاشتقاق باللغة العربية بدءًا من الصف الأول الابتدائي (يذكر الطفل كلمات شبيهة بكلمة كتب مثلًا) فالعربية لغة اشتقاق بامتياز وتعلم الاشتقاق ضروري لإكساب الطلاب استراتيجيات لفكفكة معاني المفردات من خلالها، ولابتكار كلمات جديدة وتشكيلات جديدة على أوزان العربية المختلفة
التقويم المستمر أساس لمعرفة تطور مهارات الطلاب، ونوع التدخل والدعم الذي يحتاجون إليه.
ماذا يقول علم النفس التربوي؟
نعرف من عالَميْ التربية وعلم النفس التربوي الحقائق الآتية
يساعد التعرض المبكر للغة الفصيحة (من عمر سنة إلى خمس سنوات)، من خلال الرّسوم المتحركة وأدب الأطفال، الطفل في اكتساب قدر معقول من المفردات التي سيحتاجها في المدرسة. كما يساعده على توسيع خلفيته المعرفية عن مواضيع حياتية وعلمية شتى
تحدُّث أولياء الأمور مع أطفالهم في البيت والنقاش معهم عن أمور تهمهم يمكّن الأطفال والناشئة من اكتساب اللغة العربية، ويساعدهم في تعلّم آداب النقاش والمحادثة أيضًا. كما يساعدهم في تكوين معارفهم عن المواضيع المختلفة وتقريبهم من أهلهم
لن تقتصر فائدة تشجيع الأطفال على تأليف مسرحياتهم الخاصة مهما كانت بدائية، وعرضها على عائلاتهم على تعويدهم استخدام اللغة العربية وحسب، بل سيبني ثقتهم بنفسهم ويشكّل حسًا لغويًا وخطابيًا لديهم أيضًا
نظرية الألعاب النارية
الإبهار البصري الذي توفره لنا تقنيات التعليم جميل لكنه ليس مهمًا. فلن يكون هذا الإبهار سوى ألعاب نارية ما دام أبناؤنا لا يقرؤون، وإن قرؤوا فإنهم لا يفهمون. لذا لا تستطيع نظرية الألعاب النارية أن تحقق لشعوبنا شيئًا. لا يحتاج تعليمنا عمومًا، وتعليم العربية خصوصًا، إلى العروض المبهرة، بقدر ما يحتاج إلى الأساليب العلمية المدروسة والنفس الطويل والنتائج العظيمة
أليس أجدى وأنفع أن نجمع الجهود ونفكر في خطة لتعليم القراءة باللغة العربية مبنية على «علم القراءة»؟ كم أهدرنا من ميزانيات التعليم حتّى اليوم على طرائق واستراتيجيات وتدريب عشوائي للمعلمين لم يسفر عن أي نجاح؟
وكم ضاع من الوقت من دون أن نجني النجاح الذي تستحقه بلداننا وشعوبنا؟
العلم أمامنا واضح وضوح الشمس، والجهل حولنا فاضح لا يستتر، فأي الطرق نختار يا ترى؟