أحلامٌ فقط ….. ولا أمل في أن ألقاه – هكذا كان اليقين يخبرني – فأستعين في أحلام اليقظة و أستحضره ، ومرات يتواطؤ الكون مع قلبي ، فيأتي به إليّ بفخامة جسده والمشاعر الساحرة في المنام .
في دفتر غلافه بلون حزين ، دوّنتُ مناماتي عنه ، قلتُ تصحّ أن تكون مشاهد عظيمة في الحب ، أين منها كاما سوطرا ، سيبدو تلميذاً في دليل الحبّ .
سنتان مغرمة به ، سنتان ممتلئة بالحبّ ، سنتان وقد خطّت يدي ما يزيد عن الستين حلماً هو الحكاية والبطل والزمان و المكان .
سنتان من العشق لم ألتقيه مرّة ، لكني حلمت بلقائه سبعمئة وثلاثين يوماً ونصف، كنت أردد أغنية أحبّها
” سوف يأتي ،
خبرتني حلوة
كانت هنا ” ،
و هو رجلي الحلو أيضاً ، قلتُ للأغنية .
تقول عنّي صديقتي : نصف مجنونة ، وتتعامل مع نصفي العاقل ، وأمازحها : إنْ وجد .
تضحك وتنعتني بغريبة الأطوار !
فأخبرها أني أميل لطور انعزال الفراشة في شرنقتها ، تعيش سرّ تبدلها ، وحيدة هادئة في تقلبها ، وفي كينونتها الثائرة في كفنها .
تقول : أمنيتي أن أعرف السرّ العالق في محيا وجهكِ ، وأنتِ حياة تبدو ساكنة ؟
لم أبحْ لصديقتي مَنْ حبيبي الذي يرسم وجوده ، دون أن يعلم، على هالتي تشاويح ملونة ، ومزاجات متنافرة حدّ الجنون ، وفي كل هذا ولادة .
دعتني صديقتي لسهرة – كعادتي – قَدِمْتُ كأني اللاشيء ، هكذا أمضي السهرة بضوضاء الحاضرين ، أحبّ هذا النوع من العزلة -حاضرة وغير موجودة – أبتسم ، أضحك ، أثرثر باللاشيء الساكن بي ، ووحدي في ركني المعتق داخلي ، المسكون بالشيء أفيض بفرحي وحزني أحايين .
وصلت السهرة – لست متأخرة ولا مبكرة – دقيقة في المواعيد ، رميتُ عني معطفي الشتوي بنفسجي اللون كغلاف دفتري حزين .
دخلت السهرة من بابها الهزلي ، بجملتي
المعهودة : متى يحين وقت الرقص ؟
و كنت أرقص وحدي ، لا شريك لي سواه، أخرجه من رواقي العتيق وأضع ذراعيه حول خصري ، و أحضن وجههُ بيدي ، وأغمض عينيهِ في عيني .
مازحتُ صديقتي ، وناولتها قنينة النبيذ وقلت : معتّقة مثلي في برميل – في قبو الحياة – قديم .
ضربت كفي بأكف الجالسين ، كعادتي ، واحد ..واحدة .. واحد تلو واحدة ، ثمّ تسمرت في مكاني ، أقسم أنّه ليس فيلماً هندياً المشهد به يستطيل ، لكنّي تسمرت حين وقف ومدّ يده ليصافحني .
أكره الطّبّ إذ أدركت للتّو ما معنى حاسة اللمس ، كم هي جافة في الطّبّ، وكم هي ممتلئة بالحس والمعنى والشعور والعاطفة والشعر والموسيقى والإثارة … وبأغنية !
عيناي تقطف من شجرِ وجههِ لوزَ عينيه و برتقالَ فمه عصيراً أشربه فأبلع ريقي ، صنوان أنا وسيالتي العصبية التي انعطفت للقلب ، أرعدَ وأبرقَ غيمهُ ، خانني جسدي _ ابن المشتاقة _ كمنعكسٍ ضروري ، منجذباً لجسده ، لا شأن لي بكيمياء الجسد حين تتجاذب الشوارد ..فلا تبقى شاردة بل تميل للهداية وتبيتُ بين ذراعيه .
العناق هو أحاديث الجسد للجسد ، قال جسدي له كلمة واحدة … وجسده صمت .
ارتبكتْ ..ابتعدتُ قليلاً .. ابتعدتُ لأراه أكثر، من أخمص جذر قدميه الثابت كجبل حتّى شعر رأسه المموج بالفضة ، وأغمضت عينيّ التي حَوَتْ كلّه في كلّي ، و غسلتُ كلّه بماء عينيّ .
جلستُ ودارتْ رحى الرغبة ، تطحن ضحكاتهم والأحاديث والأصوات لتصبح هباء حروف منثورة ، ووحده الرجل الرّاوي لقلبي أرخى كلامه ثقل الطحين .
و دارت السهرة نبيذاً شربنا ،و أجساداً رقصنا ،وحناجر غنينا
“سهار بعد سهار ت يحرز المشوار ” ،
حضنته عيوني أنْ :
“بيتك بعيد وليل ما بخليك ترجع
أحق الناس نحن فيك ” .
لم نرقص سوياً ، لكنه استرق بعينيه جسدي ، وهو يمر بقربي يمضي للحمام ، بيدي كأس النبيذ ، أتمايلُ فانسكب النبيذ بخطأً مترعً بالحجّة لأدخل الحمام .
تدلني صديقتي على المناشف لأمسحه وأبدل فستاني …أدرت وجهي للخلف أمازحها بشأن سرقة فستانها …دخلت كوريدوراً صغيراً ، وما زال وجهي للخلف حيث صوتها القادم من الصالون – أجزم أنه ليس لقطة من فيلم رومانسي – التصقت به ، اعتذرت : عفواً !
ويمنى يدي على صدره ، كأن الله أوقف المشهد لحظة – يحب الله مشاهد الحب – هممتُ بسحب يدي التي انغرست أصابعها قليلاً في لحمه ، فحطّ يسراه على يمناي و زرعها ، احتوى يدي ثم شتلها على صدري ، حنوت على احتوائه ، فصار صدري ليده سريراً واللّحاف يدي .
شيء بالجو تغير ، مرت الفصول ، وزوبعت المشاعر حولنا ، تلمّ شملنا ، وطيبُ ريقه عائدٌ لفمي خمراً .
مرّ سؤال صديقتي قرْبنا : أرأيتِ الفستان ؟
فتباعد ، لا بدّ أن تلحق صديقتي بسؤالها وتعبر بجانبنا ..فتشم خمرة حبّ وتشي بنا .
تباعد .. شلح عنه لمّ شملنا فارتديته ، ومرّ بقربي رجلاً أعزل بلا شملنا .. و بقيت وحدي مثقلة بالرداء وبحلم أتُراه تبدد ؟ فأسمع صوته الشتوي يتلو ، يغني
“وطرٌ ما فيهِ من عيبٍ سوى
أنّهُ مرَّ كلمحِ البصرِ .
ضعْ على صدري يُمناك فما
أجدر الماء بإطفاء اللّهب .”