بقلم نهى عاصم
غلاف غامض لامرأة تحتضن رجل ولكن نظراته بعيدًا عن هذا الحضن.. أما المرأة فجاءت عينها المغمضة بلون الدماء يتساقط منها دمعًا أحمر كذلك وبرأسها عدة بقع معتمة كما لو كانت عتمة ذكريات حزينة
في الجهة الأخرى يشيد جميل داري بما سطرته لنا الأديبة وبمدى عزمها على النصر حتى وأن لم تنتصر قائلة
“وعلي أن أسعى، وليس علي أدراك النجاح”
تهدي الكاتبة مجموعتها إلى كثير من النساء اللاتي يعانين من طغيان ما، وإلى رجل واحد تنتظره، وقد طال غيابه
وتضع لنا مقدمة تكشف فيها عن أنها كانت مرآة للكثيرين كتبت عنهم وكشفت خباياهم بكل ما فيها من أفراح وأتراح وعرفت يقينًا كما تقول أن
“الوقوع في الحب ولادة، والابتعاد عنه موت”
مجموعة من البشر تجمعوا في قصص وكأنهم لآليء تلضمها الكاتبة بخيط حريري واحد، تجارب ذاتية واقعية حدثت بالفعل لأناس تألموا ولازل لديهم ولدى الكاتبة الأمل والقدرة على الحلم
نبدأ مع القصة الأولى”على مرمى قبلة” وهي ترانيم عشق متبادل تحت زخات المطر واعترافات من الحبيب والحبيبة بالانسجام والانهزام حبًا
ثم تخرج بنا من واحة عاطفية وتدخلنا إلى إعصار غضب في قصة”ملك في الشارع” وملك هي طفلة الشوارع التي تتسول بين السيارات
والتي تحدثت إلى صاحبة العربة بكل تفاؤل الطفولة وسمعتها المرأة بكل غضب على اياب العدل ولكنها في النهاية جرت
“لم أرى سوى خصلات شعرها الأشعث الذي لوحته شمس الطرقات. يقفز بالهواء صارخًا
ردوا علي طفولتي”
تستكمل معنا الكاتبة رحلتها بين آلام وجراح البشر وتقول في قصة “تعويذة امرأة تعتذر”
” أنا امرأة. ولا أحد يستطيع أن يرى ويقرأ فكر امرأة إلا امرأة أخرى، امرأة تحكم بقلبها، تفكر بقلبها، تحب بقلبها، تعشق بقلبها، وهي مجرمة بقلبها ومستبدة بقلبها، وسيدة بقلبها، وملكة في مملكتها بقلبها، مشبعة بالخصوبة في كل المواسم
هكذا هي المرأة التي تزغرد في مأتم ابنها
الوطن والتفرقة بين أبناءه والحرب التي نخرت فيه”
ومن امرأة تحمل أوجاع الدنيا بقلبها لامرأة
لا تستطيع أن تحب سوى من هو بعيد عن العين ولكنه ساكن بالقلب، لامرأة يقتلها الحقد بالسم، لامرأة يموت بحرها قاذفًا إياها في وطنها، وهكذا تتوالى الحكايا فتجد النساء أنفسهم في هذه المرأة أو تلك.. أو تجد رجلها الحق ولكن في الأحلام
“والليل بصمته العميق يوقظ كل أحاسيس الأنثى المنسية خلف غيمة العمر”
لغة الكاتبة فصحى بسيطة، تمتاز بالصور الشعرية والخيال الجامح وكيف لا وهي
شاعرة أيضًا فنجدها تكتب قائلة
“ربتت على كتف أفكاري”
“هي تخاطب النادل بعينيها وجسدها، ما أجمل المرأة التي تستطيع التواصل بكل حواسها”
“كيف له أن يخسرها وهي التي أقامته من قبره، ونفضت عن رجولته غبار الموت، ولونت حنايا صدره بألوان قوس قزح”
“وموج البحر هدأ كأنه شيخ تثاقلت قدماه تحت عبء السنين الطويلة، وراح يتكيء إلى عكازه ليواصل مسيرته نحو الغروب”
“والليل بصمته العميق يوقظ كل أحاسيس الأنثى المنسية خلف غيمة العمر”
للأماكن في المجموعة نصيب، فها هي كاتبة تعشق الطبيعة، البحر، الحدائق، المحيط وغيرهم، وتتجول في معابد الأقصر و نيل مصر، وبحر جنوب أفريقيا وجزره..والعديد من المدن الأخرى
القصص صرخات تحمل عنوانًا هام لكل النساء
تصرح به خفية وجهرًا بعنفوان امرأة قوية
“كرامتي فوق قلبي وذكرياتي”
“الوطن، الحب،الحلم ،بناء الفرح بين أنقاض الحزن، حمل الأمل في الحاضر من بين ركام الماضي
مجموعة مسميات جعلتها الكاتبة أيقونات تستطيع أن تمحو الحدود والجغرافيا و الكراهية باسم الدين والحروب
شكرًا للكاتبة على هذه الهدية التي منحتني أياها، وقريبًا أقرأ لكِ باقي أعمالك التي أتوقع أن تكون جميلة بجمال هذه المجموعة