د. حسن مدن ل صحيفة الخليج
في قصيدة جميلة له عنوانها: «عمر الحب»، يتحدث الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف عن جار عجوز له في القرية، بلغ به العمر مبلغه، جلس معه يوماً على ضفة النهر فسأله: «في أي سنة من أعمارنا يغادرنا الحب؟»، فأجابه العجوز:«لست أدري.. اسأل من هو أكبر مني»، ولم يقل حمزاتوف ما إذا قدّر له أن يلتقي برجل أكبر عمراً من جاره العجوز، ليسأله السؤال نفسه، لكنه اكتفى بالقول:«حتى الآن لم ألق جواباً»، قبل أن يخلص إلى الآتي:«حتى لو صرتُ شيخاً/ وطال الشيب رأسي/ فلن يشيخ حبي أبداً/ سيدفئكِ بحرارته وأنفاسه الفتية على الدوام/ وإن سُئلت/ إلى أي عمر يظل ساطعاً/ شعاع الحب/ سأجيب الجميع/ تماماً ما أجابه جاري الهرم:/ عذراً لستُ أدري/ اسألوا سواي/ من هو أكبر مني»
الصورة المتداولة لرسول حمزاتوف قبل وفاته بعقود، تظهره دائماً بشعره الأشيب، لعله ذاك الذي عناه في قصيدته، لكن حياته وشعره ظلا ينبضان بالحب، قبل أن يرحل بصمت في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، ليغادر الدنيا جسداً فيما بقي فيها شاعراً لن ينسى، بوصفه أحد أشهر وأهم شعراء آسيا والاتحاد السوفييتي السابق في القرن الماضي، ولن ينسى تأسيه على سقوط تلك الدولة، فعندما انهالت السهام على الحقبة السوفييتية قال في مقابلة صحفية:«البعض وبحجة تقليم الأظافر قطعوا الأصابع!»
تشدّ حمزاتوف علاقات وطيدة بالعالم العربي وبالثقافة العربية، وزار مراراً عدداً من الدول العربية، بينها مصر ولبنان وسوريا والإمارات، هو الذي تشّرب ثقافتنا منذ صغره من خلال القرآن الكريم، كونه نشأ في بيئة مسلمة في مسقط رأسه داغستان، ولعلّ أهم وأجمل أسفاره الأدبية كتابه العذب:«داغستان بلدي»، وهو كتاب نسيج ذاته، بذلك الحضور الطاغي للحكمة فيه بشكل غريب من التجلي، يجمع بين البساطة والعمق، وفيه وقف على حقيقة أن الذي يُقال يُنسى، أما الذي يُكتب فيبقى، ومع أن الناس أعادت كتابة القول السابق للكتابة كي لا يضيع، لكن حمزاتوف يسأل:«كم من الجهد بذله الناس، ليبقى هذا القول غير المكتوب حياً؟»
في العام القادم ستمر الذكرى المئوية لميلاد حمزاتوف، ومنذ الآن تجري الاستعدادات لإحيائها بأنشطة مختلفة، لتسليط الضوء على حياته وتجربته الشعرية التي قسّمها هو نفسه إلى ثلاث مراحل، فهي (كزوجات ثلاث: الأولى قاسية وعنيدة، وهي في الحقبة الستالينية التي لم تعرف الرحمة، ورغم عناد هذه الزوجة وقسوتها فقد كانت الحياة في كنفها آمنة ومهيبة، والثانية جميلة وثملة بحريتها وانطلاقها، والثالثة الزوجة التي نبحث عنها جميعاً.. وهي عادلة وهادئة، كما وصفتها في قصيدة «الصندوق الأسود»)