د. مصطفى الضبع
المقهى الذي أتردد عليه كل أسبوع لا يرتاده غير الأفراد، صامتين يجلسون ، يلتحف كل منهم صمته ، وقد يلتف حول قهره وينام ، وصاحب المقهى العجوز لا يزعج أحدا ، فقط حين يشعر بالتعب ينام بدوره ، وعندما يصحو يروح يهمس للعامل الوحيد أن يلبي طلبات الزبائن ،إذا حدقت في أي منهم فستجده يتكلم لكنك لا تسمع صوتا
يمتصني الوقت فأنشغل بالكتابة أو الرسم ، وحين أتنبه لمن حولي أروح أختلس النظر في الوجوه القريبة محاولا استكشاف أي معنى يهمسون به
حين اكتشفت وجوده على الطاولة المجاورة لم أحدق في وجهه طويلا، غير أنني كنت على يقين أنني أعرفه، ربما كان زميل دراسة أنهكته الحوادث أو زميل عمل ضل طريقه للراحة فتركت الأيام يقينها على وجهه
بدأ مهزوما مأزوما وهو يشرب قهوته ويحدق في حواف المنضدة كأنه يقرأ سيرته الذاتية
بدا صوته واضحا بعض الشيء وهو يرتل كلماته المتحسرة : لماذا ، كيف ، بدت الحروف تتهرأ على لسانه ، غير أنه تماسك قليلا وهو يلضم الكلمات : حين أنام تتسلل روحي إلى بيوت الأصدقاء ، أشاركهم لحظاتهم مغامرا بأن يتذكرونني فيقول أحدهم رأيه الصريح فيّ ، في البداية اعتقدته كابوسا تعودت عليه لكنني في الصباح كنت أجد كل شيء مكتوبا في أوراق مخبأة بعناية في درج المكتب ، هو خطي لا أنكره لكن المعاني تهزمني ، والوقائع تهرس روحي التي حاولت أن أوقفها عند حدها فلم أعد أحتمل وقع الخيانة أو علامات النفاق
بدت كلماته ثقيلة ، وبدا صوته يخفت حد التلاشي
كنت أحدق فيه وهو يتناثر منفجرا قبل أن يتبخر ، نعم فعل ذلك كأنه ينطلق في رحلة قصيرة
فنجانه في موضعه، المنضدة تنسحب في هدوء والرجل الذي انفجر لتوه أغلق لحظته وتبخر ، وأنا اتبعه في هدوء