رئيس التحرير: إخلاص فرنسيس 
الملتقى
نظمت غرفة 19، يوم الاثنين الأول من أيلول/سبتمبر 2025، ندوة افتراضية نقدية خاصة لمناقشة المجموعة القصصية “خوف بارد“ للكاتبة والصحافية الإماراتية عائشة سلطان، الصادرة حديثًا عن بيت الحكمة بالقاهرة.
إدارة الأديبة إخلاص فرنسيس
المنسق العلمي: د. حنا نعيم حنا
شاركت فيها كل من:
د. إنعام القيسي/ الأردن
أ. زينة الشامي/ تونس
: د. دورين نصر/ لبنان،
أ. كنانة عيسى/ سوريا
افتتحت الندوة الأديبة إخلاص فرنسيس مرحبةً بالمشاركين والحضور، ومؤكدة أن تجربة عائشة سلطان تمثل إضافة مهمة إلى الأدب الإماراتي والعربي، بقولها:
“إن هذه المجموعة لا تقدّم مجرد قصص قصيرة، بل تُعيدنا إلى جوهر الكتابة باعتبارها مقاومة للنسيان، وحفرًا في الذاكرة الفردية والجماعية. سلطان استطاعت أن تحوّل الصحافة إلى حاضنة للسرد، وأن تصنع من الخوف مدخلًا لمساءلة وجودنا الإنساني.”
تنوعت القراءات النقدية حول مجموعة “خوف بارد“ لعائشة سلطان، فجاءت كل قراءة لتضيء زاوية مختلفة. فقدمت الناقدة إنعام القيسي قراءة سيميائية للعتبات النصية، فيما تناولت الناقدة دورين سعد المجموعة من منظور بنيوي، أما زينة الشامي فقدمت قراءة متعمقة كشفت الكثير من الدلالات، وأتت قراءة كنانة عيسى لتطرح رؤية تكاملية متميزة. هذا التعدد في المقاربات النقدية منح اللقاء ثراءً وخصوبةً جعلتنا نعيش عوالم المجموعة القصصية بعمق خلال ساعات الندوة..
بدأت د. إنعام القيسي مداخلتها بالحديث عن غلاف المجموعة، مؤكدة أن الغلاف هو العتبة الأولى التي يدخل منها القارئ إلى النص. وقد اعتنت الكاتبة عائشة سلطان مع المصمم بهذا الجانب، فجاء الغلاف محمّلاً بالرموز: فتاة تدير ظهرها، نافذة مفتوحة، وخزانة في الخلفية، في فضاء يشي بالعزلة والتأمل لكنه لا يخلو من الأمل. العنوان “خوف بارد” بدوره يثير تساؤلات حول طبيعة الخوف وسبب برودته، وهو ما ينعكس داخل النصوص عبر مخاوف متنوعة: من الموت، الوحدة، الغرق، الظلام، الذئاب البشرية، وفقد الأحبة. إنها مخاوف متكررة ترهق النفس حتى تفقد حرارتها الأولى. وأشارت القيسي إلى أن الأنثى هي الأكثر حضورًا في هذه المخاوف، وإن لم يغب الرجل عن المشهد. كما توقفت عند الإهداء: “إلى أمي، سيدة الحكي والحكايات”، الذي يحمل بُعدين؛ أحدهما شخصي يعكس ذاكرة الكاتبة مع الأم والجدة، والآخر جمعي يستحضر ذاكرة المجتمع الإماراتي في تناقل الحكايات الشعبية.
أما د. دورين نصر فقدمت قراءة بعنوان الخوف بين الذاكرة والخيال. رأت أن المجموعة تتألف من أربع عشرة قصة تشكل عوالم مستقلة، لكنها في الوقت نفسه متماسكة برؤية فنية واحدة، حيث يتحول الخوف إلى قوة محركة في حياة الشخصيات. كما لفتت إلى أن الكاتبة تبني سردها على تعدد الأصوات، وتفكيك الخطية الزمنية، واستحضار الذاكرة، ما يضفي طابعًا حداثيًا على التجربة السردية.
ومن جانبها، توقفت زينة الشامي عند قصة خبز، معتبرة إياها نصًا استثنائيًا يميل إلى السريالية. فالخبز، رغم حضوره الواقعي في حياة الإنسان منذ القدم، تحوّل في القصة إلى رمز مفتوح الدلالة، يتيح للقارئ حرية التأويل. رأت أن القصة رحلة في فوضى داخلية تتناوب فيها مشاعر الخوف والأمان، ويتداخل الواقع بالحلم. وقد بنت قراءتها على تحليل مظاهر الخوف والتيه، والرموز، وتقنيات الكتابة.
أما الناقدة كنانة عيسى فقد شددت على العلاقة بين الكاتبة وإنتاجها الأدبي، معتبرة أن عائشة سلطان استطاعت أن تنتقل برشاقة من الصحافة إلى الأدب، مقدمة نصوصًا مشغولة بهموم إنسانية معاصرة. وأكدت أن المجموعة طرحت قضايا الانتماء، وفقدان الهوية، والفصل الجندري، كما وظفت أساليب ما بعد حداثية تمزج بين الواقعية، السريالية، الغرائبية، والرومانسية القوطية. ورأت أن لغة النصوص جاءت بسيطة ومباشرة في بعض المواضع، ورمزية وجدانية في مواضع أخرى، وهو تنوع أسلوبي منح النصوص حيوية وثراءً.
وقد أثرى النقاش حضور شخصيات أكاديمية، مثل د. حسن الخولي من جامعة عين شمس، الذي توقف عند الأبعاد الأنثروبولوجية والثقافية، لاسيما في قصة البحيرة، رابطًا بين الحكايات الشعبية المتوارثة والتحولات التي تصيب التراث عبر الأجيال. وأوضح أن غياب “حراس التراث” من الأجداد والجدات يؤدي إلى اندثار المعتقدات الشعبية.
كما شاركت د. هدى عيد من لبنان بسؤال حول غائية الكتابة لدى الكاتبة، معتبرة أن الخوف في المجموعة يتجسد كحالة نفسية واجتماعية وجسدية تعيشها النساء خصوصًا. وتساءلت: إلى أي مدى يعكس هذا الخوف بنية ثقافية سائدة في المجتمع الإماراتي؟ وهل تختلف عن غيرها من المجتمعات العربية؟ وهل يمكن اعتبار قصص الكاتبة محاولة لتفكيك هذا الإرث ومواجهته بوعي نسوي معاصر؟
وعقب أ.د. محمد الحوراني، تحدث عن مقاربة المجموعة عبر المنهج النفسي، الذي أراه الأقرب لفهم أعماق النفس الإنسانية ومسببات الخوف، تلك “الشجرة” التي تنمو في داخلنا وتتفرع بأشكال وصور متعددة. فالخوف سمة إنسانية عميقة تتقاطع فيها الأزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل، وهو موضوع متجذر في الأدب العربي والعالمي. أذكر في هذا السياق دراستي السابقة حول “رهاب النخيل” عند بدر شاكر السياب، الذي وُلد في قرية مليئة بالنخيل لكنه اعترف لاحقًا بخوفه منها بسبب صور موروثة من الجدات.
ومن الاسماء التي حضرت وشاركت، السفير الاردني السابق، ابراهيم عواودة، الدكتور نظمي يوسف، بسؤاله عن الهوية والتراث، والاستاذة نجاح عبدالقادر، الكاتبة حبيبة محرزي، والاستاذة مها الغرابي من العراق.
بدورها، عقبت الكاتبة عائشة سلطان شاكرة الضيوف على دراساتهم ومداخلات الحضور، مؤكدة أن معظم قصص المجموعة تنطلق من ثيمة الخوف لكنها مشبعة بالقلق الوجودي. فالأبطال، على اختلاف مواقعهم الاجتماعية، يطرحون أسئلة وجودية حول معنى الحياة والذات، وأضافت الأمان والخوف، والذاكرة، والنساء. وإلى آخره. المبدأ هنا في أول قصة كتبتها في هذه المجموعة كانت خوف بارد، قصة مجردة فقط أردت من خلالها أن أقول أن كثير من النساء يلجأن للخوف، كفعالية برجماتية، انتفاعية، مصلحية. يختبئ ن خلفها لتبرير جيبنهم لأن المرأة مثل أي شخص آخر تريد أن تحصل، لكن لا تريد أن تضحي كثيرا. أو، يا ريت أحصل من غير ما أضحي. كأنها تجد نفسها أمام خيارات صعبة. أي عليها أن تفقد كذا لتحصل على كذا، تريد أن تفقد كذا، وهي لا تريد أن تفقد، ربما يكون حقها، لكن لن نحصل ما لم نفقد. مسلمات قومية؟ لا يمكن أن يحصل الإنسان على كل شيء دون ان يفقد شيء يمكن هو أمر توازنات طبيعة.
