علوان حسين
شوارع بغداد متاهة تضيع فيها كل شارع يسلمك لآخر يغريك أن تسير فيه على غير هدى . لا وجود لبغداد التي أعرفها تغيرت معالمها أسير في مدينة أشباح وجوه حزينة معفرة بالتراب الأصفر وفوقي سماء زرقاء رمادية بلا غيوم إستوقفتني شجرة مغروسة على رصيف شارع عجفاء يابسة تساقطت أوراقها رحت أحدق فيها يا لها من شجرة حزينة على وشك أن تموت من الظمأ . أفرغت زجاجة الماء التي بيدي رشتتها فوقها وددت إحتضانها بقوة تقف تحت سماء ٍ تمطر غبارا ً لا أحد يلتفت إليها . ليست مدينتي هذه التي أتجول في شوارعها بغداد لا تهمل أشجارها حتى في عز القيظ أشجار الرازقي تمنح عطرها للسائرين فثمة قلوب تسقي الأشجار دمعها إن شح الماء . الغريب كثرة الشحاذين وقلة العصافير في بغداد . ربما أكبر عدد للشحاذين في العالم موجودين في بغداد كأنها عاصمة الشحاذين لا الشعراء . أطفال بأسمال ٍ رثة ووجوه شاحبة يبيعون كل شيء , قناني الماء ومحارم الكلينيكس وأشياء لا تخطر على بال . يبيعون طفولتهم إلى المارة بأي ثمن
أوقفتني امرأة لا يبدو عليها البؤس ولا تملك غير دموعها تحيرت ماذا أقول لها أهي متسولة أم مجنونة أو ربما أضاعت وليدها الوحيد ؟ لم تنبس بكلمة واحدة وليس لدي ما أقوله لها هي ذرفت دوع عينيها وأنا نزفت دمع قلبي . بغداد مدينة السلام ولكنها مدينة حرب أيضا ً . حرب مستترة كل يخفي سلاحه في مخبأ لليوم والساعة الموعودة . بعض مظاهر الحرب واضحة وضوح الشمس تراها في عيون الناس الخائفة والقلق المرتسم على الوجوه . رايات الطوائف والأحزاب كلها تشي بجو الحرب . أين عشاقك ِ بغداد ولياليك الثملة بالشعر والخمر والغناء ؟ حنيني للأماكن القديمة قادني إلى مرقد الإمام موسى الكاظم . أسلمت حذائي قبل دخولي الحضرة حافيا ً رحت أطوف مع الزائرين سلمت على صاحب القبر حشد الزائرين الضخم لم يسمح لي بالوقوف فكنت أسير مع الموج البشري المتلاطم لفت نظري أحد الزوار وهو يستميت في التشبث بالشبك الفضي للقبر كأنه يريد إنتزاعه . كان يتضرع متوسلا ً يطلب المراد أكاد ألمس إرتعاش قلبه بين ضلوعه كالمسحوق ينتظر معجزة من رجل ٍ وضع كل أحلامه وآماله بين يديه . قلت لنفسي ماذا يمنع هذا الرجل من التضرع إلى الله مباشرة ً هو الباسط يديه نهارا ً وليلا ً ؟ لماذا يطلب من رجل ٍ ميت ٍ وإن كان من أهل البيت تحقيق أمانيه والذي لم يمت أقرب إليه من حبل الوريد كما تقول الكتب السماوية ؟ غادرت المكان مسرعا ً شاعرا ً بالعطش وحاجتي الماسة إلى قنينة بيرة مثلجة بعيدا ً عن سذاجة أهلي الطيبين