على هذا العنوان الشفاف الرقيق ، اتكأت القصيدة ، عنوان « غناء الفراشة » يختصرُ معانٍ كثيرة ، الجمال ، الطبيعة والضوء في فضاء رحب ؛ الفراشةُ تشير إلى التحوّل والجمال معاً ، ترقص وهي تدنو من ألسنة اللهب ، كأنَّ الجمال لا يكتمل إلا حين يلامس حدَّ الاحتراق .
الإنتظار من صفات الشرنقة لتصبح فراشة ، شكلاً من أشكال الحياة ، لا مجرّد صبرٍ على التحول ، ليس الانتظار سكون أو انطفاء ، الشاعرة هنا تحول الإنتظار إلى ايجابية فهي تقول بثقةٍ مدهشة :

« سأرتكبُ الكثيرَ من الحياةِ
وأنا أنتظرُكَ »
الشاعرة تتخذ الإنتظار فعل حياة ، وتمرّد جميل على الغياب ، وأنَّ الإنتظار ينفطر معه القلب ويزهر حتى في بعد المسافة ، وكذلك نجد انَّ الشاعرة تتصالح مع الحزن في قصيدتها هذه فلا تتخذه عدوّاً ، بل رفيقٌ قديم يتعايش مع نبضها ، يتآلف معه حتى يغدو شبيهاً للفرح ، وينفتح باب الوحدان على مصراعيه حين تقول:
« وكأنّهُ قبلةُ أبي »
فالحنين ذاكرة دافئة ، والانتظار تتأجج فيه المشاعر ، ويتحول إلى لمسة حبٍّ غاب خلالها الجسد وبقي الأثر في الروح ، ثمّ تتصاعد النغمة الشعرية نحو فضاءات الحرية :
« أتورّطُ بالرّيحِ
أرفعُ أشرعةَ حلمي
ألمسُ أهدابَ الغيمِ… »
الذات تتحول من الإنتظار إلى التحليق ، من قيعان الأرض إلى الأفق الرحب ، ومن الصمت الحائر إلى غناء ، وفي لحظة مشرقة تولد الفراشة ، ويولد معها البهاء والحرية :
« فأصيرُ فراشةً
تلعبُ بالضّوءِ
تأمرُ القصبَ بالغناءِ »
إنها فراشة خرجت من شرنقة الانتظار ، لتغدو شكلاً للحياة بعد طول هدوء ، القصيدة كلها رحلة من ثقل المشاعر الحزينة والانتظار إلى خفّة الضوء ورشاقة الحياة ، من روح جاثية على ركبتيها إلى فضاء واسع ، ومن الانطفاء إلى الغناء . نص يهمس لنا أن الجمال لا يولد من الفرح وحده ، إنما انَّه قد يولد من التعايش النبيل مع الألم ، وأن الكتابة حين تصدر من قلبٍ يعرف الانكسار تصبح نوعاً من النجاة الهادئة .

( عماد عواودة ابو حازم
الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠٢٥ ، قميم / الأردن )