إدريس القائد
أربعون أغنية على الاقل من أغاني فريد هي اغاني تاريخية .. نجحت في زمانها ولازالت تطرب سامعيها ..منها ما يلي : يا عواذل فلفلو – يا سلام على حبي وحبك – يا زهرة في خيالي – يا جميل يا جميل – يا ريتني طير- يا ابو ضحكة جنان – وحداني ح عيش – هلت ليالي – هو بس هو – نورا نورا – قلبي ومفتاحو – لا وعينيك – عدت يا يوم مولدي – فوق غصنك يا ليمونة – غني غني – زينة زينة – سافر مع السلامة- الحياة حلوة- خليها على الله الربيع – حكاية غرامي – جميل جمال – بقى عايز تنساني – بساط الريح – تؤمر عالراس وعالعين – أول همسة – أنا وإنت وبس – أضنيتني بالهجر – اشتقتتلك- إسمع لما قولك – منحرمش العمر منك. أربعون أغنية تعتبر نسبة عالية جدا .. معظم مطربي ذاك الزمن غنوا ما بين مائتين إلى ثلاثمائة أغنية و لم يبقى منها ألا القليل فيما عدا ام كلثوم ..فريد الأطرش انتج أغاني في منتهى الفرح والسرو ر ولكنها لا تخلو من نغمة الحزن الذي تميز به .. وأغاني أكثر غايةً في الحزن حد البكاء .. وابدع في النوعين.. ربما لفقدانه لأخته التي تصغره بعامين ” اسمهان ” التي ماتت في حادث مفجع صغيرة شابة “32” وأم لطفلين.. ظل الحزن عليها يرافقه و ربما لأنه يعلم ان عمره أيضا قصير لمرض قلبه منذ صغره .. لكن لو نسى الناس كل اغاني فريد الأطرش حتى بعد مائة سنة لن ينسوا عبقرية عزفه على آلة الشرق الأولى ” العود ” .. سيظل مدرسة لهذه الآلة لا بشكل اعتيادي وإنما بشكل معجز في تكنيك العزف والاحساس و تبادل المقامات واللعب في المقام الواحد و أهم من ذلك كله الحالة الطربية للعود .. وهو الملحن والمطرب الوحيد الذي يقدم لجمهوره عزفا منفردا ارتجاليا بكل ثقة وابداع .. بهذا مهما ابدع من جاء بعده يظل هو من أعطى التاريخ لهذه الآلة إلى الأبد. كيف سنتذكر فريد الأطرش وشقيقته اسمهان ؟ وهي الأخرى غنت في عمرها القصير بديع الألحان المركبة شعراً و لحناً : أهوى انا أهوى – فرق ما بينا الزمان – ليالي الأنس في فينا- محلاها عيشة الفلاح- يا بدع الورد – يا طيور – ولغة العيون.. ولكن ! .
عندما كانت الاعياد والمواسم الدينية مناسبات للفرح و لقاء الجيران والاهل .. كانت اغاني المناسبات؛ تملأ الشوارع والتجمعات و يعيش الناس لحظات تتساوى فيها الأنفس، و يعم فيها الفرح والسرور بفعل تلك الأغاني التي تخلق جواً من الألفة يشارك الجيران فيها بكافة أعمارهم و تنوع وظائفهم .. لو لم نتذكر لفريد الأطرش واخته الا أغنيتان لكفاهما مجداً .. الاولى هلت ليالي حلوة وهنية .. ففي اليوم الأول من رمضان عام 1956 ؛ وقف فريد الأطرش ممسكاً بعوده على مسرح قصر النيل بالقاهرة.. عزف عزفاً منفرداً .. تفرد فيه بانغامه الشهيرة بين مقام البياتي و الحجاز .. ثم بدأ يغني اغنيته الجديدة التي ألفها بيرم التونسي بصوفية صادقة معبرا بها عن الفرحة برمضان كتبها : هلت ليالي حلوة وهنية – .. وعاشت هذه الاغنية في الريف والمدن واينما وُجد اناس فرحون بقدوم رمضان المبارك .. بين الرست والبياتي والحجاز زخرف فريد الأطرش الأغنية بشكل تراثي و اسلوب تواشيح .. بإيقاع مثير هو إيقاع المقسوم السريع الذي يزيد من جرعة الفرح .. بعد مقدمة مبهجة يتناوب فيها الناي مع الفرقة جمل موسيقية قصيرة تجلب الانتباه يحبها الناس.. يدخل فريد بنبرة سعيدة :هلت ليالي حلوة وهنية .. ليالي رايحة وليالي جاية .. لماذا هي ليالي هنية ؟ لأن : فيها التجلي دايما تملي .. ونورها ساطع من العلالي .. ثم يقول بيرم بأسلوبه المباشر الذي يفهمه كل أحد: ليالي حلوة نشتاق اليها .. وفيها ليلة الله عليها القدر فيها الله واكبر .. اوعدنا بيها الله واكبر .. ويا رب توبة والعمر نوبه .. وتكون قريبه تسعد أمالي : هنا فقط عرف الجمهور في تلك الليلة في سينما قصر النيل أن الليالي الحلوة المقصودة هي ليالي رمضان لذا انتبه وطلب الإعادة.. هاج الجمهور وتسلطن فصار يطلب الاعادة و الاعادة .. ثم تحول الجمهور الى كورس يردد مع فريد بيتا بيتا مع التصفيق الحاد .. خاصة في البيت الذى يغنى فيه : وفيها ليلة الله عليها – القدر فيها الله أكبر- أوعدنا بيها الله أكبر ثم تستمر الاغنية : في كل لحظة اقول يا ربي .. انت اللي اسمك يسر قلبي .. كل التمني لو ترضى عني .. واعيش متهني ولا أبالي ساعة .. ساعة رضاك يا إلهي، ساعة رضاك يا إلهي أسعد الأوقات .. وتستمر تعبيرات بيرم التونسي صادقة جذابة : على جمالك الله اكبر.. على جلالك الله اكبر ..ويعيد الجمهور الله أكبر.. ثم موال الدعاء : أنا أسألك يا رفيع العرش والدراجات – بجاه نبينا محمد- جاه نبينا محمد سيد الكونين – تنعم على المؤمنين – تنعم على المؤمنين في نور جمالك اللي تجلى – اعيادها هلت مع الاهلة .. فرحة ومسرة الله والله على أمة حرة الله والله .. ؛ هنا يمكننا ان نتخيل الجمهور في سينما قصر النيل ليلة رمضان 1956 وقد حول الاغنية الى حلقة ذكر يصعب إيقافها وهو يردد الله الله ..لذا قال فريد الأطرش عن هذه الأغنية ؛ إنها احب الاغاني إليه وإنها تبعث السعادة في قلبه ويشعر بالنشوة حين يؤديها.. واخيرا : يا رب زيدنا وخذ بأيدينا .. واحفظ بلادنا اليوم وبكرة ..هلت ليالي حلوة وهنية ليالي رايحة وليالي جاية – فيها التجلي دايم تملي ونورها ساطع من العلالي هلت ليالي، هلت ليالي .. مثل هذه الأغاني يجب أن تعيش ويرددها الناس معاً ولتكبر الفرحة أو الفرحتان بشهر الصوم كما في الحديث النبوي .
المناسبة الثانية التي كانت من أفراح الناس هي الحج .. اسمهان يكتب لها احد عباقرة الفن والمسرح في مصر المثقف الأستاذ بديع خيري.. البديع يبدع بأغنية دينية تفوقت على مئات الأغاني التي تغنت بالرسول صلى الله عليه وسلم ..أغنية عذبة غنتها أسمهان الاعجوبة ملكة العذوبة .. لحنها اخوها قبيل موتها وربما كانت اخر ما غنت .. ..اغنية يعشقها الليبيون اذ يرددونها في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف و عند قراءة قصة المولد في الافراح انها : عليك صلاة الله وسلامه .. شفاعة يا جد الحسنين – ده محملك رجعت أيامه .. هنية واتميلت به العين .. تبدأ الأغنية مع رحلة الحجاج : كرامة لله يا قاصد مكة ونيتك بالكعبة تطوف – تبوسلي فيها تراب السكة أمانة من مؤمن ملهوف ..ثم بجمال الكلمات و اللحن البياتي الشيق : سالت دموعه وطال دعاه .. في يوم خشوعه ينول مناه – دي قبلتك يا نبي قدامه .. عليك صلاة الله وسلامه .. ثم يفصل بعبارات شجية مناسك الحج : وامتى عيني تشوف منظركم يا مأذنتين فوق الحرمين واطول مطال حجاج اتباركم وشربوا من زمزم بوؤين.. ثم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة : وفي المدينة نالوا القبول .. بنور نبينا طه الرسول – يا بخت زواره باكرامه .. عليك صلاة الله وسلامه .. ثم إلى عرفات : يا ما أسعد اللي يقف ويكبر على منى وعرفات لله – ويحذف الجمرات ويعبر تايب نصوح متمني هداه .. غفر ذنوبه مدى الحياة .. وعاش ينوبه ثواب تقاه .. وتنتهي الأغنية بدعاء كله بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم : في جاه نبي الهدى ومقامه .. عليك صلاة الله وسلامه .. هذا جمال فن فريد واسمهان حين نتذكرهما وقت الفرح وهم من عاشوا قليلاً و تألموا كثيراً.. الف رحمة ونور.