نهى عاصم
حدثتني أمي الغالية، أن جدي وجدتي-والديها- قريبان، فأم جدي وأم جدتي بنتا خالة
ولكي نتحدث عنهما لابد وأن نعود إلى الجينات والجنسيات التي يعود إليها جدايّ
لجدتي عرق يوناني وكذلك تركي وهذا يجعلني كلما شاهدت فيلم الإيرين باباز أقول: “هو ذا العرق اليوناني، فملامح جدتي كانت شبيهة جدا بملامح هذه الممثلة
ولجدي عرق يوناني، سعودي صعيدي -إذ أن جده نزح إلىسوهاج-بلد المواوويل منذ عقود مضت، ولهم جامع كبير باسم ” سيدي العارف بالله أحمد أبو ناجي”
غاية القصد أنني ومن أمي فقط، تجري في دمائي جينات تركيةيونانية سعودية صعيدية سكندرية..
أي أني كوزموبوليتانية مثل الإسكندرية..
نشأ جدي وجدتي في حي بحري- وما أدراكم ما حي بحري وكما يقول الراوي:
“من بحري وبنحبوه عال إمه بنستنوه”
كان اسم جدتي دولت، ولأن جدي رحمه الله كان يحب تدليلها هي وبناته، فقد أطلق عليها اسم: “قطوطة”
حبيبي يا جدي والله عايزين منك ٧٨٩٠
ولقد كانت حبيبتي رحمها الله هادئة وطيبة للغاية تدللنا بدون إفساد، نعرف ما تريده من نظرة عين فنلبي
كما كانت قليلة الكلام، وإن تحدثت توجز بكلمات قليلات، ما قد نحتاج فيه إلى نصف ساعة
ورغم هدوئها، واعتقاد البعض منا أنها بعيدة، إلا أنها كانت حادة الذكاء تشعر بنا وبما يدور في بيتها وبيوت بناتها
كان لدى جدتي معجمٌ بعقلها للأمثال القديمة ودليلٌ للعادات الفرعونية والشهور القبطية وصولًا للإسلامية. تلك الأمثال كانت تختصر علينا حوارات ونقاشات فتقول المثل، وتصمت ونتعامل نحن مع المثل “براحتنا بقى”
هذه الأمثال الشعبية، كانت لتحتل مئات الصفحات لو كنا دوناها عنها
أمثال عن العديد والعديد من المناسبات والأفعال
ولكم كان يضحكني كثيرًا ويحيرني أنيكون لديها المثل وضده فكانت مثلًا تنصح دومًاومرارًا وتكرارًا خالاتي غير المتزوجات بقولها
“ضل راجل ولا ضل حيطه”
وحينما تشكو إليها أمي أو إحدى خالاتي المتزوجات من زوجها كانت في أقل من نانو ثانية-جدتي في ضرب الأمثال سبقت زويل بمراحل- تقول
“يا مآمنه للرجال؛ يا مآمنة للمية في الغربال”
وإن جاء عريس لإحدى بناتها عبر أخت له ستأتي لتزروهم، كانت ترفضه وتطقطق لسانها قائلة:
“أصل الستات يطلعوا العضمة في الكرشة”
والكرشة لمن لا يعرف هي بطن الذبيحة وهي خالية من العظام
خليك في بيت أبوك
“قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة”
فكنت أداعبها قائلة
حيرتيني يا تيته نتجوز والا لا؟؟؟
تبتسم وتغمزني بعينها وتقول
“متجوزه عدس عازبه عدس”
وكنا إذا ما انسكبت منا القهوة تقول
“دلقوا القهوة من عماهم وقالوا الخير جاهم”
وإن سكبتها هي أو إحدى حفيداتها المقربات للقلب تقول
“دلق القهوة خير”
أضحك قائلة
“يبدو أن من أطلق هذه الأمثال كانوا مجموعتين قاعدين فاضيين”
كانت تنظر لي شذرًا ومعنى النظرة يقول:”قاعدة لي انت عالواحدة”
اعتادت جدتي وهي من انجبت سبعا من البنات- توفيت إحداهن وهي رضيعة- وولدا واحدا، أن تشكو من أمر البنات، وكيف أنه حتى وإن غادرن بيتها إلى بيوت الزوجية فهن يأتين إليها بالشكوى والمشاكل، فتظل تحمل همومهن، فكانت تقول مثلا من ضمن أمثالها العجيبة الواعية
“يا مخلفة البنات يا مخلفة الغلب للممات”
وبالطبع لديها في جعبتها مثل عن البنين- لن أذكره هنا فأنا أم بنين- كانت هي تقوله في الخفاء، وأمام البنات تقول
“داه اللي جه بعد شوق”
داه شغل كيد وتمييز عنصري يا جدتي
وبمرور السنوات والعقود وبعدما أنجبت من البنين أربعة، وجدت أنني كما المتزوجة بهم جميعًا وأن لكل واحد منهم شكواه وهمومه،يتجاذبني الأربعة كل في اتجاه، فأشعر بي ممزقة بين أزمة أو حزن هذا أو غضب أو مرض ذاك.. فابتسم مؤلفة مثلا مضادا لمثل جدتي وقائلة
..” يا مخلفة الصبيان يا مخلفة أرهاق السنين والجنان والبتنجان”
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي