كتبت فاتن فوعاني
“كان يا ما كان، بقديم الزّمان. مش كتير قديم. خِلِق صَبي بضيعة بشهر نوّار ونوّار بِتْفَتِّحْ الدِّني غْمار غْمار”
أيّار عندما هَلَّ على قرية حقل العزيمة الشّماليّة، أزهرَ في بيت مسعود طفلًا امتصّ عزيمة القرية كلّها. أطلقت عليه أمّه كتور اسمَ ميخائيل تيمّنًا بجدّه ميخائيل يوسف. وقصّة العزيمة مع شهر أيّار قِصّة، تكاد تكون مثبَتة علميًّا. فطانيوس شاهين قام بثورته في هذا الشّهر كما انطلق كاتبنا في ثورة حياته في هذا الشّهر أيضًا
أهميّة ميخائيل مسعود ليست في أدبه بل في الإنسانيّة المُتجسّدة في أدبه وليست في لغته بل في الحياة الّتي تدبّ في أحرفه. كتبَ الضّيعة اللّبنانيّة كما لم يكتبها أحدٌ لأنّه عاشها كما لم يعِشها أحدٌ. في ذاكرته، اجتمعت جدّته فهوم بحكاياتها الكانونيّة الدّافئة العابقة برائحةِ الكزبرة المُجفّفة ومعلّمته الأولى ماري الدروبي بفستانها الورديّ وعطرها المُستَورد الَّذِي طالما زغزغ أنفه الصّغير. في باله، تتزاحم برودة الليالي الطويلة في مدرسة الأمّ مريم قازان الدّاخليّة وتشقّقات قدَمَيه الحافية الّتي برَتها الطريق ما بين بصرما وأميون
ميخائيل مسعود، ابن التّراب والأرض، ابن الينبوع والنّهر. ثلاثةُ أرحامٍ ولّادَةٍ للحنان تعاونت على تربيته. أمّه، جدّته، والأرض. فنشأ راضيًا مَرضِيًّا. لا يخجل “بشحّاطتِه” البلاستيكيّة، أُمّ الأصابع المقطوعة المُتمسِّكة برجله بالصّدفة والّتي كانت جارات الحَيْ يتناوبْنَ على تلصيقها وتربيطها. ميخائيل لا يستحي بلقمةِ المجدّرة الأشبه “بِجَبْلَةِ باطون”، تنزل على معدته فتبني جِدارًا مُسَلَّحًا في روحه
ابن حقل العزيمة، الكاتب الدكتور النّاقد الحكّاء الأديب، طابَ لي اليوم في ذكرى ميلاده أن أتحدَّث عنه كما أراه وكما أتذوّقه في روحي. وأن أبدأ القصّة بعبارةٍ يحبّها “كان يا ما كان”، ربّما تُذَكِّرهُ بِسِتِّهِ فهوم. فأقدّم له هديّةً صغيرةً تكاد تكون غير مَرئيّة أمام الهدايا الأدبيّة القَيِّمة الّتي قدّمها لنا
ذكرى ميلاد سعيدة