بقلم حبيبة المحرزي

*تقديم:
تعتبر الرّواية القصيرة جدّا، جنسا أدبيّا حديثا رغم أنّ من الأدباء والكتّاب من يؤكّدون على أنّ الرّواية القصيرة جدّا ظهرت منذ أواسط القرن الماضي وقد تكون القصّة القصيرة الّتي لا تتجاوز بضع صفحات وفق تصنيف مألوف في ذاك الزّمن.
هي إذن جنس أدبيّ عرف إقبالا من قبل بعض الكتّاب والقرّاء تماشيا مع التّحوّلات الّتي شهدها العالم في كلّ المجالات، جرّاء السّرعة المحمومة الّتي صارت تجرّ الانسان جرّا وتجعله في لهاث دائم لتحقيق أهدافه ومآربه. هذه التّحوّلات الّتي قلبت الموازين وغيّرت المفاهيم وقزّمت القيم ممّا أثّر على العلاقات بين البشر وأفرز هزّات وتشوّهات في النّواحي النّفسيّة والاجتماعيّة ذات الصّلة الحتميّة بتأثيرات الأزمنة والأمكنة الّتي تحضن الأحداث في كلّ أطوارها وبكلّ تشعّباتها.
*التّعالق الزّمكانيّ مع الهزّات النّفسيّة لشخصيات الرّواية القصيرة جدّا ” راضي”:
-الفرضيّة:
هي بحث عن جمال الوفاء في كنف القبح ام هروب عن قبح الخيانة في كنف الجمال ؟
رواية قصيرة جدّا تسجّل تبعات صدمة نفسيّة تمرّ بها الرّاوي الشّخصيّة بحجم البطولة المطلقة في تجربة حياتيّة مرّت من الاستقرار إلى الاضطراب بحدث قادح صادم تمثّل في الخيانة الزّوجيّة.
هذا الحدث ستنجرّ عنه المتواليات السّرديّة النّفسيّة والاجتماعيّة.
-تقاطعات الزّمكان وتأثيرها في الشّخصيّة الرّئيسيّة والثانوية المتعايشة مع البطل وفق تعالق زمكاني مع الاحداث :
لابدّ لكلّ حدث أو تجربة حياتيّة من حاضة زمكانيّة تجعلها طورا من أطوار الخضمّ الكونيّ الّذي تتعايش فيه الكائنات الحيّة وفق منظومة الوجود الحياتيّ الفعليّ. وفي هذه الرّواية لعب الزمكان دورا رئيسيا في كشف معاناة السّارد الشّخصيّة إثر حادث مرور.
- السّرير: مكان مشحون بدلالات الرّاحة والاسترخاء والنّوم والأحلام، وهو بمدلوله الاصطلاحيّ المتعارف حضن للعلاقة الزّوجيّة الحميميّة بكلّ فصولها الرّوحيّة والعاطفيّة والشّرعيّة، لكنّه وبفعل حدث قادح مفاجئ صار حاضنة ترتّبت عليه الصّراعات النّفسيّة الّتي عقبت التّصدّعات العاطفيّة الّتي خلّفتها خيانة الزّوجة والّتي تكفّلت “الذّكريات المريرة” بالاحتفاظ بها كسوط يجلد البطل المأساويّ المتذمّر من ماض مثلوب ينضاف إليه النّقص ” حادث المرور” الّذي ضاعف المأساة وضرّج الشّخصيّة عجزا وضعفا وهوانا.
السّرير الّذي يصبح مركزا للتّوتّر واستحضار أوجاع الماضي المقترنة حتما بزوجة كانت هنا مصدر أنس ومتعة وصارت مصدر قلق وتوتّر توقد نيرانه المتأجّجة الذّكريات، رغم الغياب.
الغرفة المكان المغلق الثّابت والّذي انضمّ إلى مؤثّثات التّوتّر الّذي غرق فيه البطل بين أنياب الذّكريات يقول ” تجوّلت عيناي في أنحاء الغرفة أبحث عن أمل لم أجده.” هذا المكان سينضاف إليه دليل التّوتّر بكلّ مدلولات العجز والحاجة إلى مساعدة الآخر وهو ” ذلك اللّعين الّذي يقف بعيدا عنّي” إنّه الكرسيّ المتحرّك المساعد الوحيد لمغادرة الغرفة المغلقة دون أمل أو انفراج ولا إمكانيّة للتّواصل مع الآخرين المتحرّكين الأحرار كنقيض له هو العاجز بين أنياب السّرير الثّابت. يقول ” ها أنا قابع هنا مستسلم”.
لكنّ الرّاوي يضمّ هذا المساعد إلى زمرة المعرقلات المكانيّة المغلقة، حيث تتدخّل المساحة الفاصلة بينهما كمكان متعسّف، لمنع كلّ سبيل للتّحرّر من ” السّرير” الّذي يصبح مسرحا عليه تتعاقب” ذكريات مريرة وصور أليمة” تنضاف إليها أصفاد النّقص والإعاقة الّتي تكبح جماح رغبة السّارد في الحرّيّة ليتدخّل الزّمان وينظمّ إلى المعرقلات المكانيّة جرّاء الطّول فيقول” مرّ الوقت…مضت نصف ساعة” يصير الوقت خصما آخر يساهم في استفحال التّوتّر لدى الشّخصيّة الّتي وهي في تلك الوضعيّة وذاك التّكبيل الزّنزانيّ، تقهر بالعجز وقلّة الحيلة الّتي عجز عنها الصّوت أيضا ” صرخت مرّة ثمّ أخرى ثمّ مرّات…لا مجيب” ليصير النّوم الّذي هو حقّ لكلّ كائن حيّ مطلبا مستعصيا داخل الإطار السّجنيّ أيضا، في تعالق مع بقيّة المعرقلات.
الزّمان: في الرّواية ينقسم إلى قسمين:
1 الزّمن الحقيقيّ الّذي يعيشه البطل زمن السّرد كقوله” ناديت بكلّ ما أوتيت من قوّة” أو ” ها أنا قابع هنا” أو ” العطش يسبر في حلقي” إنّه الزّمن الحاضر المزامن للحكي ومنه تتفرّع أزمنة أخرى ذات صلة بهذا الزّمن الحقيقيّ لتوفير أسباب الـّأزّم أو نتائجه المستقبليّة أيضا.
2 الزّمن النّفسيّ الّذي يعود إليه السّارد في “حالة تذكّر” يقترن بنقطة محدّدة فارقة، كانت الحاضنة للحدث القادح:” ليلة كئيبة تلوح في أفق الذّكرى”. هي الفاصلة بين وهم الوفاء وحقيقة الخيانة في اعتراف صريح بأنّ الخيانة نهج اتّبعه هو أيضا وشرّعه لنفسه ” لأنّه رجل” من منطلق ذكوريّ متسلّط. وقد أغرق الرّاوي في الاسترجاع لأنّ الذّاكرة هي الّتي توثّق الأسباب الّتي راكمت عوامل التّأزّم، معتمدا تقنية القطع مع هذا الحاضر المأساويّ ليغرق في ذكرى احتفظت له بحدثين ارتبطا ببعضهما ارتباط السّبب بالنّتيجة: اكتشاف خيانة الزّوجة وما عقبها من أحداث متسرّعة نتجت عنها الإعاقة. إذ يقول ” حاولت طرد الذّكريات…لكنّها انتصرت… ووجدتني أستنشقها كأنّها الهواء”
هذا الزّمن النّفسيّ هو الّذي فيه يتعالق الماضي والحاضر والمستقبل استرجاعا واستباقا. وهو الّذي يوثّق فترات التّأزّم في التحام عينيّ مع المكان. فخيانة الزّوجة كانت في مقهى أو مكان ما يقول:” …تخبرني أن” زوجتي تجلس الآن مع رجل غريب” والجلوس يقتضي مكانا قد يكون مقهى أو أيّ مكان آخر نوعيّ يلتقي فيه العشّاق. والحادث تمّ في لحظة فارقة في السّيّارة كوسيلة تنقّل تسير في الطّريق يقول:” وانطلقت بسيّارتي بأقصى سرعة”. إذن فالزّمان والمكان متلازمان كإطارين حاضنين لكلّ الأحداث والصّراعات السّابقة واللاحقة.
*الحدث القادح مثّل حجر الأساس وهو النّقطة الفاصلة بين ماض مستقرّ استقرارا مغشوشا وفق اعترافات السّارد يقول: أخونها؟ نعم. لكنّ ذلك ليس مبرّرا لخيانتها لي.” فعل الخيانة عليه تتالت كلّ الأحداث المساهمة في هزيمة البطل إذ مكّن بقيّة الفواعل من الإساءة له بطرق مختلفة يقول:” اليوم أدركت معنى أن تكون لحظة عابرة فارقة، قادرة على أن تقلب حياتك رأسا على عقب” في تملّص من الأنا المهزومة وسحبا للمتلقّي كشريك ضمنيّ في محنة عظمى، لتكون مسابقة الزّمن والسّرعة المفرطة كنقيض للزّمن الحقيقيّ الحاضر بين مخالب السّرير وتحت جلد الذّكريات، لربح الوقت. السّرعة في تحدّ للزّمن الممكن لكشف الخيانة الزّوجيّة. إذن هي السّبب الّذي فرض نتيجة مأساويّة موغلة في الأذى الدّائم” تحوّل جسدي إلى كتلة من اللّحم العاجز…” لتتتالى التّداعيّات والخسائر” ضاع شبابي وضاعت فحولتي، وضاعت زوجتي أيضا”
انهيار الصّروح كلّها في لحظة فارقة. والّتي انجرّ عنها انفراط عقد الشّخوص المحيطين به وفق المكان المغلق والمفتوح أيضا. زوجة مطلّقة وأصدقاء متنكّرون وأخت قاسية تعيش الواقع على مضض لأنّها لا تعرف الحقيقة المتمثّلة في سبب الطّلاق يقول:” تظنّ أختي أيضا أنّني طلّقتها لأريحها من خدمتي” ليستبدّ الزّمان بالسّارد يقول:” لا أحد يعرف النّار الّتي تشتعل داخلي كلّ يوم” والأخت تريد أن ترثه وفق تكهّنات السّارد الاستباقيّة والنّاتجة عن يقينه من أنّه صار عقيما، رغم ما قدّمه لها أيّام كانت في حاجة إليه مسترجعا نعمه عليها. يقول: ” أصبحت تنتظر موتي لترثني، خاصّة أنّني لا أستطيع الإنجاب “
الأصدقاء متنكّرون والتغيير في الاختيارات والّتي ستمرّ من لاهث خلف النّساء المتزوّجات وغير المتزوّجات الجميلات إلى باحث عن القبح كشرط أساسيّ وبإصرار شديد يقول:” كان أهمّ شرط بالنّسبة إليّ أن تكون امرأة لا تحمل أيّ شيء من الجمال… امرأة قبيحة”. مفارقة فرضتها تقاطعات سابقة منقضية ثابتة ملحّة بين الماضي والحاضر بين الحركة والعجز بين البطء والسّرعة، بين الألفة والوحدة، بين الوفاء والخيانة. هذا الاختيار الملحّ يتماهى مع كلّ ما قلب حياته رأسا على عقب رغم معارضة الأخت بدافع الحرص على المال الّذي قد ترثه عنه إن مرّ إلى الفناء والعدم بسرعة لأنّه يقول” لست معتادا على العجز” وفي اعتراف بأنّ ما يحصل الآن ليس إلاّ عقابا على ما اقترفه في الماضي إثر صحوة ضمير أيقظها حاضره المتأزّم. يقول:” ربّما ما يحدث لي الآن عقاب على ما كنت فيه من فسق وفجور مع النّساء” والتّرجيح لتنسيب الأذى النّفسي الّذي يجلده دون رحمة.
وإذا بالزّمان الّذي كان بسرعة محمومة أدّت إلى الإعاقة، يصير بطيئا مؤذيا يقول: “مرّت الأيّام رتيبة، بطيئة” هذا الزّمن الّذي يتعالق مع الشّخوص المرتدّة عن الصّحبة ” الأصدقاء الّذين تركوني” وعن الأخوّة ” أختي القاسية” ليتدخّل الزّمن ببطء مرير ليفاقم توتّر السّارد ” مرّت أيّام كثيرة مرّة أخرى، أيّام لا أعرف لها عددا، لا أرى فيها ليلا أو نهارا” هذا التّساوي والتّماثل بين ثنائيّتين سببه التّأزّم النّاتج عن العجز والوحدة والشّعور بالخذلان.
الزّمن سيكون حاضنة لانفراج ممكن. إنّها اللّحظة الّتي ستفصل بين زمنين متقابلين هي” منتصف اللّيل” وهي اللّحظة الفارقة بين يوم مضى بآلامه ويوم سيبدأ بجديد قد يكون أفضل. حتّى التّحيّة وثّقت الزّمان ” مساء الخير. مساء النّور” ليبرز الشّرط والقبول بتأكيد المتّصلة عبر الهاتف بأنّها قبيحة تقول” أعلم أنّني قبيحة جدّا” ودليل إثبات الحالة” كانت أمّي تكرهني بسبب قبحي” في هذه اللّحظة بالذّات يتعالق الزّمن المقترح من السّارد ” غدا” مع إمكانيّة الانفراج الّذي يظلّ مشروطا. ” لكن بعد رؤيتك” هذه البعديّة تقوّي الحبكة السّرديّة وتجعل القبول رهين الاحتمال والإمكان.
الزّمان سيتصالح مع المكان المغلق ويصبح حاضنة للألفة والمودّة ولحظات السّعادة مع نجوان الّتي صارت شرطا عينيّا لاستقرار السّارد وتصالحه مع واقعه الجديد. الزّمن سيغيّر المفاهيم جرّاء الألفة والتّعوّد وفق التّعايش في كنف إطار مكانيّ موحّد مكّن من تجاوز المنغّصات السّابقة. ” هي من عرضت عليّ أن تقرأ لي، إذ كنت لا أطيق الكتب” تحوّل إيجابيّ يخدم الحبكة الّتي تؤشّر على انفراج ممكن مستقبلا.
المكان سيكون المهد الأوّل الّذي منه ستنطلق التّجربة الآنيّة الفاصلة بين العجز من جديد والقدرة المنسحبة يقول:” والآن سنتدرّب على الانتقال من الكرسيّ إلى السّرير والعكس” فالسّرير المتنمّر في الماضي القريب سيصير مساعدا في حركة تبادليّة سلميّة مع الكرسيّ المتحرّك في نغمة تفاؤليّة تصالحيّة بين البطل والزّمكان.
غير أنّ هذا الهدوء الّذي حلّ محلّ الاضطراب والتوتر في أوّل الرّواية، سيعود إلى التّأزّم بسبب النّقص المفاجئ الّذي عطّل النّسق السّرديّ التّرميميّ جرّاء رحيل نجوان. يقول” تلقّفتني الأيّام” هذا الزّمان المتكفّل بالسّارد سيتماهى مع الغياب ويعود إلى سالف خصائصه المرعبة إلى حدّ تمنّي الموت، في تصعيد دراميّ خطير. يقول ” رحت أفتّش عن الموت في كلّ موضع، في أركان الغرفة” ” مرّت السّاعات كئيبة بطيئة” لتعود الذّكريات السّعيدة المتقاطعة مع ذكرياته التّعيسة إثر الخيانة والحادث.
قمّة التّأزّم سيتكفّل بها مكان آخر وزمان فارق سيتعالق مع الوضعيّة المتقهقرة الجديدة والّتي قطعت خطّ التّفاؤل والسّعادة، في منزل أمّ نجوان، باكتشاف هروب نجوان من مجتمع جلاّد ” سفر نجوان” والّتي سيقابلها النّور في آخر الرّوايا” تسلّلت أشعّة الشّمس، ورأيت نورا” المتزامن مع “الآن” كزمن حقيقي حاضر ثابت يتقاطع مع ماض بعيد مرتبك ومبشّرا بمستقبل نيّر في تصالح مع نجوان ولو عبر المراسلة ومع مليكة الأخت الّتي كانت قاسية.
*الشّخوص والتّقاطعات الدّلاليّة:
راضي: منذ العنوان وضع السّارد المتلقّي في إطار تسمية سلميّة سلبيّة سمتها الرّضا بالمسلّمات وبإملاءات الآخر. و”راضي” اسم علم تعدّى الفعل إلى الصّفة الدّائمة. هذا يضع المتلقّي بين احتمالين: الأوّل أن تكون العلاقة بين الاسم والمسمّى علاقة تطابق وتجانس تامّ من حيث الأفعال والصّفات. والثّاني أن تكون في علاقة عكسيّة يتقاطع فيها الاسم كدالّ مع المسمّى في منحى عبثيّ لا منطق فيه ولا معقول إلاّ كثنائيّة طرفاها اسم ومسمّى بمدلولات عكسيّة. ويظلّ المتلقّي متشوّقا لمجريات المتن يفكّ طلاسم الاسم الّذي عنون به الكاتب الرّواية.
وعلاقته ستتطوّر بنجوان من مجرّد الخدمة إلى الرّضا والإعجاب ومن هنا تصبح التّسمية دالّة على إثبات حالة الرّضا، يقول:” لقد أصبحت شيئا مهمّا في حياتي… بخفّة روحها…تساعدني في تماريني اليوميّة.. تقرأ لي …ثمّ نشاهد التّلفاز” علاقة مرّت من القبح كشرط أساسيّ إلى جمال التّفاهم والتّكامل والتفاعل النّفعيّ” في تغليب بيّن لتمييز الرّوح على الجسد” هذا الرّضا سيمرّ من الإعجاب إلى الحبّ. يقول:” لقد أحببتها… أحببت روحها، عينيها، صوتها الملائكيّ، بل حتّى شكلها ومظهرها.د”
نجوان: اسم علم معناه المنقذ المسرع وهي طبيبة في الأصل حقّق لها قبحها ثنائيّة مثالية في تقاطع تامّ من حيث القبول والرّفض. أوّلهما تركها العمل بسبب دمامتها والثّانية حصولها على وظيفة ممرّضة عند راضي لنفس السّبب. وهي الّتي ستكسب ثقة مليكة وحبّها في تماه مع البساطة والتّلقائيّة البعيدة عن التّكلّف. و” أصبحت صديقة لها”
هذا اللّين والقبول من الآخر سيؤثّر في نجوان وتبدأ بالانفتاح على الآخر بعد أن كانت ترفض التّواصل مع العالم الخارجيّ خشية الأذى والإساءة إليها بسبب شكلها.تقول” لقد تنازلت عن شرطي” فتمرّ من الرّفض إلى القبول ومن القطيعة إلى التّصالح والتّواصل مع العالم الخارجيّ، بأمكنته وشخوصه.
“طبيبة” تحمل وزر مجتمع لا يرحم، يعاقبها على خلقتها والّتي لا دخل لها فيها، رغم ما لها من مقوّمات جمال ثابتة كالصّوت يقول ” صوتها جميل حقّا”. تفرّ من النّاس وتخاف منهم. تقول:” كنت خائفة… من النّاس” والّتي ينتهي بها المطاف إلى مصالحة عامّة مع الجميع لكن إلى زمن قريب محدّد أي قبيل ” قبول مطلب الهجرة”.
مليكة: أخت السّارد، واسمها صفة او هي صيغة مبالغة من ملك اي حصل على الشيء المادي خاصة، والصلة تتعالق مع رغبتها في الحصول على ميراث أخيها. شرّيرة وناكرة للجميل. وهي في تقاطع كلّيّ مع نجوان من حيث القدرة على المساعدة أو عدمها، وهي أخت متسلّطة ولا تتفاهم مع نجوان، وتظنّ أنّها تتخفّى من سرّ ما. لتمرّ من الرّفض إلى القبول والألفة والمحبّة، وتشجيع راضي على البحث عن طريقة التّواصل مع نجوان وإعادتها إلى مربّع الألفة والمودّة.
أحمد: وهو من الحمد صديق السّارد وفي تواصل معه أقلّ من المطلوب. متخوّف من أن ” يكون ” راضي” يأوي في بيته مجرمة “متشكّك في أمرها وسيمرّ إلى البحث في سجلّها الأمنيّ. ليصير شخصيّة كاشفة للحقيقة المذهلة المثمّنة لنجوان وإثبات مدى الأذى الّذي لحقها من المجتمع.
أمّ نجوان: تمرّ إلى الاعتراف تقول” تركتني أتجرّع كأس النّدم على ما فعلته بها”
شخصيّة تجرّدت من خصال الأمّ لتنظمّ إلى المسيئين لنجوان في تقاطع موجع مع نظرة الأمّ إلى ابنها فهي تراه جميلا في كلّ الحالات.
ختاما يمكننا القول إنّ الرّواية القصيرة جدّا ” راضي” قد وفّت شروط هذا الجنس الأدبيّ الّذي صار متداولا في العالم العربيّ أيضا في تناغم زمكانيّ يحضن الأحداث المتواترة المتلاحقة والتّصدّعات النّفسيّة وفق الحبكة الّتي سعى الكاتب إلى زرعها بين الأحداث المتصاعدة المتوتّرة السّائرة نحو الانفراج الظّرفيّ مع اختصار في الوصف وتخطي الاحداث الجانبية التي لا تخدم الحبكة. رواية كتبت بلغة سليمة مبلّغة مشوقة.
ملاحظة: نقول في النّهاية إنّ الخاتمة الّتي سعى الكاتب إلى جعلها سعيدة متفائلة قد بدت مصنوعة وغير مقنعة للمتلقّي وإنّ التّسريع بقبول ” راضي” غياب نجوان رهّل الخاتمة الدّهشة المطلوبة في هذا الجنس الأدبيّ. وكان من الممكن أن تنتهي الرّواية غند قول الأمّ ” لقد سافرت نجوان” ليترك للمتلقّي إمكانيّة تخيّل اللّواحق الممكنة في حياة بطل مازال رهين كرسيّ متحرّك وغرفة ستغلق عليه من جديد.